بقلم/م. نضال يحيى العنسي

بملامح الحزن حيث بلغ في فؤاده منتهاه ، يقول بصوت يملأه الأسى :

مرت خمس سنوات لم التقي فيها اخوتي ، وسنتين ذهبت منذ آخر مرة رأيت فيها أبي ، لكم تمنيت أن أكون بجانبه في مرضه، ولكنه توفى ولم أره أو أحضى بتوديعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه.

لقد زرع الأعداء في وطننا حدود من الأحقاد فقسموه، واستخدموا أصحاب المصالح فباعوه، وتاجروا بالدماء البريئه فقتلوه، وأستغلوا ظروف المعيشه فبهذلوه..

ما ساقتنا الى أرض غير محافظتنا - وكل اليمن وطننا - غير ضيق العيش، وخبز المعيشة ، ولولا الظروف التي جعلتنا بين خياري القتل أو الموت لأكلنا التراب على أن تلتصق فينا.

إنها الأحقاد من جعلت الإخوة يصنفون إخوانهم اذا اختلفوا معهم بالرأي ، او الكلمه بأنهم أعداء ، ولولا الجهل والتعصب الأعمى لما وصل الحال بنا الى هذا الجحيم.

إن هذا الكلام ليس لمغترب مسافر خارج الوطن، بل هي الغربة في الوطن نفسه ، فعندما يصبح المواطن في وطنه غريب، فاعلم أنك بالوطن المنفى، ونحن اليمنيون جميعاً منفيون في وطننا كما قالها البردوني رحمه الله يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمنِ.

نحن في وطن أصبحت خياراتنا محصورة بين السيئ والأسوء ، ويجب عليك أن تختار إما الجحيم أو النار ، نحن في وطن ان لم تكن في جنتي ستصلى بناري، وان لم تكن معي فأنت ضدي.

في وطني يجب ان تموت وأنت تبتسم وإلا صنفوك عميل، ويجب أن تنتحر وأنت تضحك وإلا اتهموك بالارتزاق.

إن مثل الشعب اليمني، ومثل العدوان، وعملاء الخارج مثل مطرقه تضرب مسمار في خشب ، قالت الخشبه للمسمار: مالك لا ترحمني ، فقال المسمار للخشبه:
لو رأيتي الضرب فوق رأسي لعذرتيني.

فالخشب مثل الشعب اليمني المغلوب على أمره، والمسمار عملاءالعدوان،والخارج، والمطرقة هي العدوان تضرب الشعب بعملائها، والأبرياء هم وقود كل حرب تُشعل ، ولو كان الأمر في أيدي قاده الأحزاب والمسؤولين أنفسهم لقضي الأمر منذ زمن، ولما وصل الى هذا الحد من الضياع والخراب ، ولكنهم مغلوبون على أمرهم سواء كان لمصالح أو لضغوط والمتاجرة بالدماء ، وبيع الأرواح بأرخص الأثمان.

إذا وجدت فقير في أي شبر من الأرض فاعلم ان هناك غني سرق حقه ، وإذا وجدت مظلوم فاعلم ان هناك ظالم وراء ظلمه، وإذا وجدت محتاج فأعلم أن هناك بيئة قاسية وعديمة الرحمة أوعزته ، وإذا وجدت مقتول فاعلم ان هناك قاتل أهدر حياته ، وإذا وجدت دم مسفوك فاعلم أن هناك مجرم سفكه، وإذا وجدت اخوة متخاصمون فاعلم أن هناك منافق دس بينهم سم الأحقاد والتمزيق ، مقابل ثمن بخس ، وإذا وجدت أبناء وطن واحد يتقاتلون فتأكد أن هناك عدواً له مصالح يفكر بها ويمكر لأجلها ، وإن من بينهم وفيهم عميل يتقاضى ثمن دمائهم الغالية بأبخس الأثمان ..

عندما تبحث في وطنك عن وطن؟!

فأعلم أن حزنك قد بلغ من الوجع نصابه ، وفرضه الذي يستحق الرحيل.
وعندما يصبح الوطن غابه لا تسكنها غير الحيوانات المفترسة، أو صحراء تنعدم فيها بساطه العيش من ماء وطعام، حينها يصبح القبر وطن ، والموت قارب نجاة.

إن بذور الأوطان جماجم الرجال ، ودمائهم غيث البذور، وبين البذور والغيث ينمو الوطن ، أما في وطني فقد غرقنا في بحر من الدم، وأغرقنا معه الوطن ، ومن جماجم الرجال المهدورة يصعد عليها الأنذال ويعتلون.
لم أعرف عقوق الوالدين جيداً حتى رأيت وطني يقتله أبنائه.

وإن إدمان التمرد، وعشق العنف وسوء الأخلاق ، وفجور السلطة في وطني رسخ في عقول أصحابها ان البناء لا يأتي إلا بالهدم ، وأن بلوغ الطموح لا يتحقق إلا بسلب أرواح المواطنين ، وأن العظمة ومنتهى الكمال يتحقق باغتيال الأبطال وتجهيل الأشبال ، وأن الحكم لا يستقيم إلا بالظلم والاستبداد ، وأن أنجح وسيلة لتركيع الشعوب هو الجوع ، وأن حلم الوصول الى الرئاسة ، يستحق ان يفقد من أجلها رأسه ..

اشغل الشعب في البحث عن لقمه العيش، وأوصل وطنهم غرفة الإنعاش.
نسعى للحصول على لقمة العيش لنحيا على هذا الوطن، فإذا وجدنا العيش، لم نجد معها الوطن..ط
وعندما يعيش الفقر والجهل والخوف معاً، فارحل الى وطن اخر، او انسج لذهبت الاكفان وطن.

حول الموقع

سام برس