بقلم/ طه العامري

كثيرة هي القواسم المشتركة التي تجمعني مع سبتمبر الثورة والدولة ؛ بل هناك ثمة مفارقات فنتازية مثيرة للتساؤل في سيرتي الشخصية وفي مسيرة الثورة والدولة وأيهما يتحمل مسئولية ( النحس ) المرافق لكل منا ؟
كثيرا ما وقفت أمام عثرات مسيرتي الشخصية ومقارنتها بعثرات الثورة والدولة وفي كل مرة أصل لقناعة بأن ( النحس ) رافقنا منذ لحظة الميلاد ولا يزل هذا النحس يخيم على مسارنا أنا والثورة والدولة فجميعنا نعاني من النكسات والنكبات وجميعنا لم نصل إلى بعض ما كنا نتطلع عليه من الاحلام التي تبخرت بفعل تداعيات الزمن وسلسلة الانكسارات التي لم تتوقف في إلقاء عراقيلها وفي وضع عوائقها أمامنا وعلى مدى 58 عاما من عمري وعمر الثورة والدولة لم أحصد ولم تحصد الثورة والدولة غير القليل من النجاحات والكثير من النكسات والهزائم ولا أحد فينا أفلح في مهمته ورسالته وحقق ولو بعضا من أهدافه بصورة كلية أو جزئية شخصية أو عامة .!!

مقارنة مؤسفة فعلا لكنها تعكس واقع نعيشه ونتجرع ويلاته واخفاقاته حتى يخيل لي أن الثورة والدولة كانتا مجرد حلم عابر في حياتنا تماما كما هي حياتي مجرد حلم يكاد ينتهي دون أن أجد معنى لهذه الحياة المجبولة بكل معاناة القهر والفشل والخالية من كل معاني الاستقرار ..!!

فإذا توقفت أمام منجزات الثورة والدولة أجد أن الثورة فقدت بوصلتها في سنواتها الأولى حيث ولدت بدون مشروع اجتماعي وثقافي ولم تحمل منذ لحظة ولادتها سوى الأهداف الستة التي لم يتم ترجمتها الى مشروع ثقافي واجتماعي شامل يكون عنوان للتغير وإعادة بناء المجتمع على أسس وطنية جامعة كما أن الدولة لم تقوم بتجذير قيمها المؤسسية وتشييد مؤسساتها على ذات الأسس الوطنية المفترضة والحال كذلك ينطبق على حياتي الشخصية التي لم تحقق طيلة هذه السنوات ما يمكن اعتباره قاعدة للاستقرار وعلى مختلف المناحي الحياتية ..!!

لذلك أقول جازما أن حالي وعلى المستوى الشخصي لا يختلف عن حال الثورة والدولة فجميعنا فشلنا في تحقيق الهدف والغاية من وجودنا وبعد 58 عاما من عمرنا نجد إننا لم نحقق سوى وجودنا الاسمي الخالي من كل مزايا أو مكاسب يمكن أن تذكر أو تجعلنا حاضرين في الذاكرة الوطنية واعتقد أنه وكما سيذكرني أولادي بعد رحيلي هناك من يذكر الثورة والدولة وهذه الذكريات تندرج في سياق العواطف الذاتية وليست محل إجماع إجتماعي وأن حدث الاجماع فهوا يأتي في سياق المكايدة للأخر وليس تعبيرا عن قناعة وهوية ثقافية إلا عند أولئك الحالمين بأمل تصحيح المسار ذات يوم وأي أمل هذا يمكن أن يأتي بعد هذا العمر الثوري الذي كان كاف لبناء أسس ومقومات الدولة في أقل تقدير ولكن ها نحن ونحن نقف أمام الذكرى ال 58 للثورة وبداية تأسيس الدولة نجد أنفسنا نقف على أرصفة التيه الوطني نتحسر على الثورة والدولة وعلى حجم التضحيات بل ونتحسر على وطن تبخرت جغرافيته كما تبخرت الولاءات المفترضة له تماما كما أقف أنا متحسرا على حياة تكاد أن تنتهي دون أن يكون لها معنى أو فائدة إلا من ( أولاد وبنات ) سأتركهم خلفي وأنا لا أعلم بما قد يحل بهم لكني أثق بقدرة الله الذي سيتولاهم ويتكفل بهم من بعدي فهم في الأخير تحت رحمة الرازق وليس المرزوق والحال نفسه ينطبق على الثورة التي لم يعود لنا منها غير الاسم فيما الدولة بدورها انهارت وتبخرت كل مقوماتها في لحظات وها نحن نعيش لحظات لملمة بقاياها ولا يعلم إلا الله وحده ماذا سيحل بالوطن وكل من فيه على ضوء ما يحدث على خارطته من جنون داخلي وخارجي إقليمي ودولي ؛ ورغم مرور نصف قرن وبضعة سنوات على الميلاد الوطني وميلادي لا يزل هناك من يسعى للبحث عن هوية الثورة ويعمل لتأسيس مقومات الدولة وأنا بدوري لا زلت أبحث عن ( وظيفة ) ولا زلت أحلم بالاستقرار والشعور بالمواطنة والانتماء لهذا الوطن ولهذا المجتمع ؟!!

اليس في هذا مفارقة مثيرة للسخرية ربما ؟ وربما لا يراها غيري كذلك ؛ وقد يستغرب البعض من تناولاتي هذه ؟ وهناك من قد يسخر منها لكني وبدون مقدمات وجدت نفسي اسطرها في تأكيد على واحدية ( النحس ) الذاتي والعام حين يغيب المشروع الوطني وتغيب الدولة وثقافة المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية ؛ فالثورة أي ثورة بدون مشروع وطني للتغير لا تسمى ثورة والدولة بدون مؤسسات لا يطلق عليها دولة ؛ والثورة والدولة أن لم يجلبا العدالة الاجتماعية أو بعضا منها فلا يمكن لهما النجاح والديمومة ، ومع ذلك يبقى السؤال هو من هو ( المدبر ) فينا انا ام سبتمبر ام جميعنا ؟

حول الموقع

سام برس