بقلم/عبد الحليم سيف
في لحظة درامية مشحونة بالحزن والصدق، وأسى الفقد المؤلم ، ومرارة الموت الفاجع ، نقلت الفضائيات العربية والعالمية بعد ظهر اليوم الأربعاء ، صورا لمراسم تشييع جثمان أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بدءاً من صلاة الجنازة في مسجد بلال بن رباح ، وحتى مواراة جثمانه الثرى في مقبرة الصليبيخات..وسط حضور محدود العدد -لدواع صحية ـ (جائحة كورونا)؛ وفقا للبيان الأميري - اقتصر على أبنائه وأفراد عائلته، وبعض المقربين، يتقدمهم أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.

هكذا ودعت الكويت" أمير القلوب" و "أمير الإنسانية"، بمراسيم بسيطة، متشحة بالسواد، وثقل المصاب، بإجراءات لم تستغرق ساعات طويلة، كتلك التي عهدناها عند وفاة حاكم عربي أو أجنبي ، فقد حرم" كوفيد 19" الأشقاء في الكويت، شرف إلقاء نظرة الوداع الأخيرة، على جثمان أميرهم المسجى بالنعش، والملفوف بعلم دولة الكويت ، فلم تخرج الجموع إلى شوارع العاصمة؛ ولم تتمكن مئات الآلاف من البشر من سد الطرقات، غاب زعماء وقادة دول عربية وأجنبية ، عن رأس الموكب الجنائزي..
البسيط ، لكنه بحجم هيبة الكويت .

بالرغم من ذلك ، لا تخطىء عين المراقب تفاصيل الحدث الجلل ، من رؤية مظاهر التشييع المؤثرة ، من خلال الأصوات الحزينة، ونبرة الحسرة على شفاه الملايين من الخليج إلى المحيط ، وقد بدت تعلو فور سماع بيان نعي الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي وافته المنية مساء الثلاثاء في أحد مشافي الولايات المتحدة الأمريكية، عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاما، إذ سرعان ما فاضت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بالحزن الجارف..، بكى الكويتيون بحرقة أميرهم الفذ ، الذين أحبوه، كما لم يحبوا غيره من زعمائهم ، إلى درجة يصعب وصفها الآن ..، فيما مشاعر الإحساس الغامر بالخسارة الفادحة الشخصية والعامة ، جلٌلَتٔ مراثي وأحاديث السياسيين والأدباء والصحافيين والإعلاميين والكتاب والمثقفين ومذيعات الفضائيات..، وقبلهم بسطاء الناس، وفي ذلك ملمح لافت، يؤكد شعور الجميع بأنهم فقدوا عزيزا وحبيبا إليهم ..صوته يجري في كل شريان وبيت..وبرحيله خسر العرب مصدر الحكمة والعزة ، وكان لدوره القومي منبع إلهام، ينافح عن قضايا العرب ،ويعمل بدون كلل على وقف نزيف الدماء العربية التي تسيل أنهارا.. فكم من حرب أطفأ حريقها ...

وكم من أزمة نزع صاعقها قبل انفجارها..، رحل الشيخ الصباح، وهو يدعو" إخوة الوجع والمصير"إلى وقف الحروب في اليمن وليبيا والعراق وسوريا ، ووضع نهاية لأزمة لبنان الطائفية، ورفض التطبيع الخليجي المجاني مع الكيان الصهيوني..، وتعزيز خطوات السلام في السودان والصومال ، كما ظل على الدوام، وحتى آخر نفس من حياته، يشدد على الأخذ بالحوار بين الأشقاء؛ لحل الخلافات الإقليمية منها والداخلية.. كان على مدى 66 عاما من مسيرته العملية، مدافعا عن الكرامة والحرية وحق الشعب الفلسطيني..وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، ونصرة الإنسان في كل مكان..تعامل مع أشد العواصف العاتية -حتى التي مست من الكويت ومصيرها من الجار العراقي- بعين العقل والحكمة والتفاهم والمنطق.


اليوم كانت لحظة الرحيل فجيعة كبرى ..فكان بحق آخر الحكماء العرب، وآخر الحكام العرب المحترمين، تاركا المنطقة، تشتعل بحروب وصراعات ونكبات وكوارث..، وقد ظل الأمير الراحل الأمل الوحيد في وضع نهاية للأزمات العربية، وتوظيف الأموال من أجل السلام والتنمية والتعايش ..على أنه من المهم اليوم قبل الغد.. أن يلتقط الحكام العرب رؤية الشيخ الصباح هذه، ومن ذلك انتشال المنطقة من وحل الخراب والفوضى ، وذلك يتأتى البدء الفوري بالعمل لوقف الحروب المدمرة ، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بما في ذلك الكف عن ضخ الأموال؛ لإطالة أمدها، وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية والجهوية بين أبناء البلد الواحد..، واستشعار الخطر الكارثي المحيق بالمنطقة.. وفي القلب منها الخليج العربي.

رحمة الله تغشاك أيها الأمير الراحل، فارس العرب وحكيمهم الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح..والعزاء لأهلنا في الكويت الشقيق.. بهذا المصاب الأليم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

حول الموقع

سام برس