بقلم/ عبدالباري عطوان
لماذا نقول شُكرًا للقاضية الشّجاعة بنسودا التي أطلقت تحقيقات محكمة الجنايات الدوليّة بجرائم الحرب الإسرائيليّة؟ وكيف أصاب هذا القرار نِتنياهو وجِنرالاته في مقتل؟ وما السّر وراء مُعارضة إدارة بايدن للقرار؟ ولماذا نخشى عليه من المُطبّعين العرب؟

أعلنت القاضية الإفريقيّة فاتو بنسودا المدّعية العاملة في محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي عن فتح باب التّحقيق رسميًّا في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في قِطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وبالتّحديد أثناء العُدوان الإسرائيلي على القِطاع في صيف عام 2014، حيث استشهد ما يَقرُب من ثلاثة آلاف شخص، مُعظَمهم من المدنيين والأطفال وكذلك قتل آلاف الشبّان في الضفّة، وأكثر من 200 آخَرين من بينهم 20 صبيًّا وعدد من رجال الإسعاف كانوا يتظاهرون قُرب حُدود قِطاع غزّة في مسيرات العودة قبل ثلاثة أعوام.

المحكمة التي تتزعّمها القاضية الشّجاعة، والمُنصِفَة، السيّدة بنسودا اتّهمت إسرائيل وحركة وحماس بارتكاب جرائم حرب، وبينما رحّبت “حماس” بالقرار وقالت إنّها الضحيّة، وستُدافِع عن نفسها، عارضها بنيامين نِتنياهو بشَراسةٍ، ووصَف القرار بأنّه سخيف، وقمّة النّفاق، ومُعادٍ للساميّة، وتَوعّد بالدّفاع عن جُنوده، ومنع مُحقّقي المحكمة من دُخول الأراضي المُحتلّة، ولكن هذه التّهديدات تُخفِي حالةَ القلق والرّعب التي تَسكُنه وكُل جِنرالاتهم.

المُؤسِف أنّ إدارة الرئيس جو بايدن الأمريكيّة التي فازت بأصوات اليسار اللّيبرالي كانت على رأس مُعارضي هذا القرار، بحُجّة أنّه ليس من صلاحيّات المحكمة، لكن السّبب الحقيقي لرفضها هذا، وقبله عدم انضِمامها إلى ميثاق روما الذي تأسّست على أساسه هو أنّ السّجل الأمريكي طافِحٌ بجرائم الحرب في العِراق وسورية واليمن وأفغانستان، والقائمة تطول.

محكمة الجنايات الدوليّة لن تعجز في إيجاد الأدلّة الدّامغة بارتِكاب إسرائيل جرائم حرب في الضفّة والقِطاع وجنوب لبنان، وقبلها بقتل أسرى الحرب المِصريين، وقصف مدرسة بحر البقرة، والأشرطة والبرامج الوثائقيّة المُصوّرة بالصّوت والصّورة التي تُوَثِّق هذه الجرائم، تزدحم بها أرشفة الأمم المتحدة ومنظّمات حُقوق الإنسان الدوليّة.

يكفي الذّهاب إلى تقرير القاضي الدولي اليهودي ريتشارد غولدستون الذي قدّمه إلى المجلس العالمي لحُقوق الإنسان في جنيف الذي أكّد ارتِكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب، وأُخرى ترتقي إلى مُستوى الجرائم ضدّ الإنسانيّة أثناء العُدوان على قِطاع غزّة، وهو التّقرير الذي عارضه للأسف مندوب السّلطة بتَعليماتٍ من رئيسه في رام الله في وصمةِ عارٍ لن تَغسِلها كُلّ بِحار العالم ومُحيطاته.

الجيش الإسرائيلي لم يَعُد يجرؤ على إرسال دبّاباته إلى قِطاع غزّة خوفًا من صواريخ “الكورنت” التي أذَلّت “الميركافا”، وباتت طائِراته المُغيرة تُلقِي صواريخها في الأراضي الزراعيّة، ليس خوفًا من محكمة الجنايات الدوليّة، وإنّما من أن يأتي الرّد الانتِقامي بقصف التّجمّعات المدنيّة في المُستوطنات الإسرائيليّة بالصّواريخ الدّقيقة التي وصلت إلى القِطاع، وباتت تحت تَصَرُّف فصائل المُقاومة.
قرار السيّدة بنسودا بالانتِصار لضحايا العُدوان الإسرائيلي، وقبل ثلاثة أشهر من مُغادرتها منصبها، يُذكّرنا بالزّمن العربي الجميل عندما كانت الحُكومات العربيّة تضع القضيّة الفِلسطينيّة على قمّة أولويّاتها، وتَحشِد دعم الأشقّاء الأفارقة والآسيويين، وكُل حُكومات العالم الثّالث خلفها، وعندما لم يَكُن هُناك اتّفاق أوسلو العار، وقبلها كامب ديفيد ووادي عربة وأخيرًا “السّلام الإبراهيمي”.

لن يُفارق القلق والخوف من الاعتِقال نِتنياهو، ولا وزير دِفاعه بيني غانتس وكُل الجِنرالات الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم الحرب بعد اليوم، وستظَل أرواح الشّهداء، وأنين الجرحى والأسرى، و”عكاكيز” أكثر من 3000 مُتظاهر فقدوا سيقانهم برصاص الجُنود الإسرائيليين، تُطاردهم في كُل مكان يذهبون إليه.
القضيّة الفِلسطينيّة ستعود إلى الواجهة مُجَدَّدًا، في ظِل وجود شعب مُقاوم وشُرفاء مِثل السيّدة بنسودا، ينتصرون للحق، ويقفون في خندق الضحيّة، ويتَمسّكون بالعدالة ولا يخشون الاتّهامات الزّائفة بمُعاداة الساميّة، هذه السيّدة العظيمة تَستَحِق جائزة نوبل للسّلام عن جدارةٍ واستِحقاق، وليس مِثل الآخرين المُزوّرين، نقول هذا ونحن نعلم جيّدًا أنّها ليس فقط لن تفوز بها، بل لن تُرشّح لها.. والأيّام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس