بقلم/ د. عبدالوهاب الروحاني
ذات يوم كنت في زيارة خاصة للمغرب .. وصلت صباحا في رحلة من الأردن عبر تونس إلى فندق في وسط (رباط الفتح) كما سماها قدامى المغاربة .. المدينة التي تنام على عشق شاطئ الاطلسي، وتصحو على سحر وهدوء نهر أبي الرقراق.

الرباط، عاصمة الموحدين .. ايقونة المغرب وتراث المرابطين .. مدينة النسيج والالوان ، والاسواق .. حيث الناس كالنخيل يعشقون الانتاج ويجيدون صناعة الفن والموسيقى.

رحلتنا كانت طويلة ومضنية .. ثلاثة من صغاري يضجون من حولي جائعين.. !!
اتصلت من فوري بخدمة الغرف وطلبت لهم افطارا .. لم اكمل طلبي حتى سالني الرجل:
- أنت مسلم ؟!
- قلت: وما دخل الفطور في اسلامي ؟!
- قال: ما كانش عندنا فطار يا خويا .. اليوم رمضان.
حاولت اقناع الرجل إننا مسافرون ووصلنا للتو ، ولدينا اطفال ثم للمسافر المسلم رخصة في افطاره .. لكنه اصر على اننا قد وصلنا ولم نعد في سفر .. وبعد أخذ ورد قال:
- ويش بغيتني ندير لك ؟! .. الخدمة ممنوعة في نهار رمضان.

حرج وربكة:
طلبت من موظف الاستقبال الحديث مع المدير ، فأشار لي بمكان تواجده.. وهناك في مقصورة صغيرة متوارية ببوه الفندق وجدته يتناول افطاره ، وبقدر استغرابه دخولي عليه بادرني بتحية وابتسامة خجولة ..

لحظت على الرجل حرجا وربكة ولم ازد من احراجه ، فموظف الاستقبال (ربما) قد بلغ غايته من مديره ، لكني سالته عن سبب منع الطعام عن النزلاء من الاطفال ، فوضح بلطف ان الخدمة في الفندق ممنوعة بالقانون في رمضان، وان المجاهرة بالافطار يعاقب عليها الاشخاص كما تعاقب عليها المنشآت .. ولذلك انا هنا اتناول افطاري.

والمهم، وبالنتيجة نصحني بالذهاب لمطعم يهودي على الناصية بالقرب من الفندق ..

حال بحال:
في المطعم اليهودي الذي بدا لي يتيما خاليا الا من صاحبه ، طلبت الافطار للاولاد ، فقال بلهجته المغربية التي بالكاد فهمتها "وخه .. دابا نديرو للدراري الفطور"، ثم سالني بلطف وهو يبتسم:
- أنت مسلم ؟!
- ‏قلت: وهل هناك فرق بين اليهودي والمسلم ؟!
- ‏ضحك وقال: ماكيناش .. المسلم واليهودي كلهم حال بحال (سوا سوا يا عباد الله)
- ‏قلت: كيف؟!
- ‏قال: المسلم يدير هادك الشيء اللي يديره اليهودي .. ماكيناش فرق.

اخذت حاجتي وهممت بالانصراف .. لكنه اخذني إلى صالة جانبية بداخل المطعم مليئة بالصائمين (الفاطرين) .. وقال "لو تبغى الدراري ديالك يفطروا هنا مرحبا بيك " ، شكرت اليهودي وفهمت مغزاه وانصرفت لأولادي وسحر المدينة.

صوم العادة والعبادة:
تلك كانت أول زياراتي للرباط .. المدينة الأكثر أناقة ورشاقة بين المدن العربية .. حيث الطاجية والطاجين وشباكية رمضان .. وحيث الحدائق الغناء وسحر الشاطئ ، وباقات الزهور المتناثرة بين اشجار النخيل في الجزر والشوارع المرسومة بعناية. والمطرزة باشجار الليمون والموز والبرتقال.

موقف من ذكريات الماضي الجميل استعدته وانا اقرأ في خبر متداول عن حركة مغربية تسمى "مصايمينش" ، وهي حركة تطالب بالغاء النصوص القانونية ، التي تعاقب على المجاهرة بالافطار في رمضان ..وتدعو إلى ادراج الصيام ضمن حرية الاعتقاد.. !!

الجدل قائم .. والبون شاسع بين ثقافة المشرق وثقافة المغرب ولا مجال للمقارنة ، والحقيقة إن هناك بين المسلمين من يصوم وهو لا يصوم وما أكثرهم .. وبينهم من يصوم للعادة ، وقلة جدا من يصوم للصحة والعبادة..

حول الموقع

سام برس