بقلم/ منى العنبري
حياتنا صفحات من كتاب قد تتمزق بمحض إرادتنا أو خارجها، ولكن ماذا يفعل لنا هذا التمزق؟ هل يقطعنا أوصالا أم يزيدنا إصرارا؛ كي نعود أقوى لنجمع أشتاتا عبثت بها رياح المحن والمصاعب، وبعثرتها وبكل سرعة ودون يأس نلتقطها ونجمعها؛ لتكون بين أيدينا كرة من حديد لا تصهرها نار قهر، ولا تمسها شرارات إحباط.

إن التحدي لغة الأقوياء، لغة الآملين الذين لا يعرفون لليأس سبيلا، لغة الطامحين الذين يقهرون المستحيل بإصرارهم وقوة عزيمتهم. وهنا أقف عند نموذج رائع دخل التاريخ الحديث خلف وراءه معلما يحكي قصة تحد حولت حلمه من رسمة ممزقة إلى واقع يعلمنا كيف يكون التحدي وماذا يفعل؟.

كنت ذات يوم في رحلة سياحية لإحدى المناطق الجبلية التي تمتاز بها الطبيعة اللبنانية، وبدون تخطيط تستوقفني تلك القلعة الرائعة بشكلها وقوة بنائها ودقته، وما بهرني أكثر من انبهاري بجمالها هو صاحبها الذي وضعت يداه طوبها ورسمت لمسات أنامله كل زاوية وركن، ونقشت كل حائط وجدار، تشاركه زوجته الهمة والعمل في بناء هذا الصرح، وفي كل حجر يضعانه يريدان أن يحكيا قصة كفاح وتحد تصرخ عاليا بشعارهما (لا شيء مستحيل).

حول موسى المعماري حلمه الذي بدأ برسمة مزقها أستاذه وسخر من طموحه إلى صرح معماري؛ ليثبت أولا لأستاذه وجارته التي تفاخرت بغنى وقصر والدها، وثانيا للعالم كله أن تلك القلعة التي كانت مجرد رسمة خطتها أنامله الصغيرة على ورقة في يوم صارت ممزقة أصبحت الآن معلما سياحيا يرمز إلى الطموح والأمل، وإلى العزيمة والإصرار على تحقيق هذا الأمل، وإلى كم التحدي الذي وقف شامخا أمام وجوه الصعوبات وعثرات العراقيل.

صار هذا الصرح معلما سياحيا يخرج من التراب ذهبا، وتلك هي دعوة تضرعت بها أم موسى لابنها «يا رب اجعل التراب بين يدي موسى ذهبا».

تلك القلعة ليست معلما تاريخيا ثقافيا فحسب بل أيضا فيها دروس وعبر تمتد أزمانا وأزمانا، تعلم أجيالا وأجيالا، وثقها التاريخ في سجله الذي لن يموت وإن قهرت الطبيعة وغيرها تلك القلعة، لأنها ستظل شامخة في ذاكرة الأجيال برمز الأمل والعزيمة والإصرار والتحدي، بصحبة عظمة دعاء الوالدين بسرعة استجابة الله لهما.
بعد تلك القصة والنموذج المثالي نتعلم أن لا نعود إلى الخلف ولا نتراجع بعد الاصطدام بحائط العوائق، بل نحاول تسلقه أو اختراقه.

نقلاً عن العرب القطرية

حول الموقع

سام برس