بقلم/حمير السنيدار
قبل أن يُغادر شهر ديسمبر.. أحببتُ أن أكتب مقالة عن شخصية إدارية وسياسية.. مُهمّة.. لي ذكريات معها.. تستحق أن أرويها..

عبد القادر هلال.. المسؤول المحبوب والمؤثِّر.. والإنسان الخلوق المُهذَّب.. هكذا عرفته..

تقديم المقترحات والحلول والمبادرات.. مِن أحَب هواياتي.. بل غريزة فيني.. فأنا شغوف بالتفكير والأفكار.. خاصة تلك الغير نَمطية.. والتي قد تحِل إشكال.. أو تُحسِّن من شَكل.. أو تُطور من وتيرة عمل..
حيث أصيغها وأقدمها لأصحاب القرار.. أياً كان التفاعل أو النتيجة..

علاقة هوايتي تلك بموضوع مقالتي.. أنها كانت مفتاح مَعرفتي بالراحل عبد القادر هلال أمين العاصمة صنعاء العام 2012..

بدايتها حينما علمتُ بأن الراحل قد سَنّ سُنّة طيبة.. حيث خصَّص يومي الأربعاء والخميس من كل أسبوع يستقبل فيهما عوام الناس بمكتبه.. فانتهزت الفرصة لتقديم عدة مقترحات للعاصمة..

أتذكر منها مشروع الربط الآلي للمؤسسات والمكاتب.. وكذلك قدمت له فِكرة تخصيص مساحة 60 لبنة من كل حي سكني بصنعاء لغرض إنشاء مراكز شباب رياضية ثقافية.. تحوي ملاعب كرة ومكتبة وحديقة صغيرة..

وقبل أن يحين دوري لمقابلته.. لفت نظري لباقته مع مَن قبلي وكذلك ابتسامته.. والتي بهما اشتري رِضا مَن قابَله..

جاء دوري.. فسلمتُ عليه مُعرِّفاً بنفسي.. وبعد أن عرضتُ عليه مُقترحاتي.. فاجأني بلهجة الآمِر: أشتي الـ ِCV حقك (سيرتي الذاتية)..
فقلتُ له بلهجتي الصنعانية: أنا مدير بالمؤسسة الاقتصادية.. وجيت أقدّم مقترحات لتطوير العاصمة.. مَش أقدِم لوظيفة..!

كان ذلك اللقاء الأول بيني وبين الأستاذ.. رحمة الله عليه.. ويومها قام بضم اسمي ضمن لجنة بأمانة العاصمة تبحث سُبُل تطوير قطاع النظافة.. وبالفعل تطوعت لأيام في أعمال تلك اللجنة.. وقدمتُ في نهاية أعمالها مُقترحاً وتوصيةً بضرورة إسناد مهام تنظيف العاصمة على شركات نظافة خاصة دولية أو محلية وبعقود قصيرة أو متوسطة الأجل.. لِما لمسته من مشاكل وفساد الإدارة الحكومية وما ينتج عنه من نزيف كبير في الموازنة الضخمة آنذاك المخصصة لنظافة العاصمة..

ومن عجائب القدر.. أني زرته ذات مرة بمكتبة لعرض فكرة عمل تعديلات لبعض الجولات المرورية لتخفيف ازدحام السيارات بشارعي القيادة وعلي عبد المُغني.. وكان حينها في اجتماع مع قيادات مكتب الأشغال ليعرضوا عليه مشروع إنشاء جسر أمام بوابة القيادة إلى التحرير.. فاعترضتُ بشدة على المشروع الذي رأيته تشويهاً عبثياً لمنطقة حيوية.. فما كان من الأستاذ إلا أن أيّد ضمنياً اعتراضي قائلاً: ابني حسن قال نفس رأيك..!

مِما سبّب امتعاض بعض الحاضرين..
وللعلم بأن مُقترحي المروري.. تم تطبيقه حرفياً.. لكن لاحقاً.. بعد مرور سنوات من تقديمه..!

أما ذكريات حملة النظافة 12/12/2012.. فأذكر أني قبلها بيوم قررتُ السعي لإشراك حَي بيتنا ضمن تلك الحملة.. خاصة وأن بعض شباب الحي قد أبدَوا استعدادهم للمشاركة.. فذهبتُ إلى مقر أمانة العاصمة ليلاً لعلّي ألحق بأي دعم من أدوات نظافة تُوزّع على الحارات.. فتفاجأت بالأستاذ الراحل حاضراً ليُشرف بنفسه على الحملة.. ومُجتمعاً بالشباب أصحاب الفكرة لتسهيل مهامهم..

ولن أنسى له موقفاً نبيلاً.. فبعد خلافي مع قيادة المؤسسة الاقتصادية آنذاك.. تفاجأتُ باتصال هاتفي يُخبرني بقرار تعييني مديراً للنُظم بإحدى قطاعات العاصمة صنعاء.. دونما أي سابق عِلمٍ مني..!

ومِن مظاهر لباقته وأدبه.. عدم إهماله لمن يتصل به.. حدث ذات مرة أن تواصلت معه أثناء تفقده لحادث سقوط طائرة عسكرية على سوق الحصبة.. ورغم صعوبة الظرف.. إلا أنه لم يمنعه من الرد..

لا أزعم بأن عبد القادر هلال كان كاملاً مثالياً.. فهو إنسان له وعليه.. لكني عرفته إنساناً مُهذباً متواضعاً.. وإدارياً قوياً مُنتِجاً.. وسياسياً مؤثِراً..

أحسبُ لو ظل بيننا اليوم.. لأبى على نفسه أن يظل صامتاً..

حول الموقع

سام برس