بقلم/ عبدالله الصعفاني
نحن والناشئون..

طالت السّكرة.. وحان وقت الفكرة..!

خلاص.. انتهى العيد ولحمته وجعالته.. انفضّ المولد والسامري.. وبالعدني (خلَّص أبو الِّليم)، ولذلك سأتناول المغطى والمكشوف حتى لو غضب من أفرطوا مثلي في الفرح، فجعلوا المشتغلين بعلم النفس يستحضرون ما يمكن اعتباره حالة نفسية مجتمعية تحتاج لوقفة وتنكة ماء يصبها متطوع على كل رأس تجاوزت المألوف.. ولا أبرّئ نفسي؛ فلقد كنت جزءًا من حالة تكاذب جعلت كل مدّعٍ يثني على جهوده ودوره الغائب وكأنه اصطاد الأسد من (قعشته) وأمسك الذئب من ذيله..

* والحق أن دافعي الشخصي كان دعنا نفرط في الفرح، وننام أمام عجلات الحافلة حتى نسلّم على الأبطال الصغار ما دمنا كيمنيين نشترك مع أعداء اليمن في تدمير منجزات مئة عام.. وعلى رأي المصريين (فرحة تَفُوت ولا حد يموت)، فالشعب كان الأحق بعبارة عبدالفتاح السيسي في بدايات التمكين على إثر الإطاحة بسلطة محمد مرسي (الشعب عاوز من يطبطب عليه)، ولا بأس لو تجاهلنا ما قاله حكيم من زمان بأن النفاق للمجتمع أسوأ من النفاق للحاكم… لأنك عندما تنافق حاكمًا فأنت تنافق شخصًا، أما لو نافقت مجتمعًا فأنت تنافق شعبًا بأكمله، وتلحق به الضرر بالنتيجة.. ولا بأس أيضًا، اعتبروا حماستي المفرطة، ثم التراجع عنها نوعًا من جلد الذات أو استدعاء للقول (رمتني بدائها ثم انسلت)، اعتبروا ذلك ضربة كتف قانونية معترف بها في قوانين الفيفا.

* لقد أفرطنا في الاحتفالات بإنجازات الناشئين في خط سير الدمام، الرياض، مكة، الدوحة، القاهرة، عدن، صنعاء.. وما بعد ذلك من احتفال المحافظات والأندية والحارات.. واللهم لا اعتراض على اللاعبين ومدربيهم لأنهم أصحاب الإنجاز الحقيقي، ويستحقون كل خير.

والإنجاز لو كنا عادلين هو حصاد مواهب فطرية فقط، وليس ثمرة لنشاط رياضة مدرسية أو دوري ناشئين أو معسكرات إعداد محترمة..

ولذلك أنا في حيرة من أمر كل أولئك الذين سابقوا الرياح على طريقة العدّاء المغربي سعيد عويطة فأرهقوا العدسات والمصورين مع أنهم لم يكونوا في العير ولا في النفير.

* وعودة إلى عنوان المغطَّى والمفتوش، كان هناك من أمورنا ونحن أسرى العدوى الجماعية ما هو جدير بالتصويب والتوضيح والتصحيح.. فعندما انفعل لؤي عثمان مدرب حراس المرمى السوري، واعتدى على لاعب منتخبنا سعيد العولقي قامت قيامتنا، وتنادينا إلى الويل والثبور وعظائم الأمور، حتى إنه لم ينفع مع بعضنا اعتذار البعثة السورية، ولا قرار العقوبة التأديبية الداخلية التي أعلنها الأشقاء في حق مدربهم.

* ولقد شعرت بالتعاطف مع المدرب لؤي عثمان وهو يتحدث إلى الزميل محمد الشومي، ويعتذر لكل يمني بلغة مهزومة ومنكسرة جعلت العقلاء يقولون إنها حالة اعتداء تتكرر، لم تكن الأولى في الملاعب، ولن تكون الأخيرة، وسيقف أمامها اتحاد غرب آسيا بعد الاطلاع على تقرير الحكَم ومراقب المباراة، ويصدر بشأنها العقوبة المناسبة..

وبالفعل فقد أصدر اتحاد غرب آسيا قبل أيام قرارًا نافذًا لم يلتفت فيه إلى كل الضجيج والاعتذارات والتبويس العربي، وإنما إلى اللائحة، ونص القرار بتغريم اتحاد كرة القدم السوري عشرة آلاف دولار، وإيقاف المدرب السوري ست مباريات.

* والغريب أن لغة الحماس والتهديد التي صدرت عن مشجعين يمنيين جعلت والد سعيد العولقي يسجل بصوته تصريحًا يعلن فيه أنه ليس مسؤولاً عن أي انفعالات فردية صادرة عن الغير، وحتى اللاعب المعتدى عليه سعيد العولقي تعامل مع الحادثة بوعي واحترام لاعتذار المدرب والبعثة السورية الذي لم يكن في الحقيقة ليؤثر على قرار اتحاد غرب آسيا في شيء.

* وكنت قرأت ما سمي بحُكم طويل صادر حسب ما نُشر عن قبائل اليمن تجاه ما حدث سأختصره هنا في ما يلي:

اعتبار ما حدث من المدرب السوري عيبًا أسود في تقدير قبائل اليمن والجزيرة والشام ومصر والمغرب العربي، وينطبق عليه ما كان يسري في أسواق عكاظ، والمربد، ونجران، ومناسبات الحج، وما إلى ذلك من أماكن احترام الوافدين، واستشهد الحُكم بما حصل من قيام أحد بني ذيبان بقطع طريق الخيل، فكانت حرب داحس والغبراء التي استمرت أربعين عامًا.. ومما جاء في الحكم..

تغريم سوريا 40 جملًا، و10 مجاهيم، و10 صُفر، و10 حُمر، و10 مغاتير، و40 ثورًا.. عشر منها عراقية، وعشر مصرية، وعشر مغربية، وعشر سودانية، و40 رأس كباش، ومثلها غنم.. الثلث يصل إلى صنعاء، والثلث لقبيلة العوالق، والثلث لبقية المحافظات، على أن تكون تلك المساقات محملة بالورود والرياحين والأزهار، ويصاحب الهجر 40 وزيرًا من جميع الدول العربية المشاركة.

* وأما وقد حصد اللاعبون ناتج تجلياتهم، حان الوقت لأنْ يفيق القائمون على كرة القدم اليمنية، ونحن معهم، من حالة الفرحة الطويلة المفرطة إلى نظرة حقيقية الى معطيات مواصلة الاهتمام بصاحب الانجاز الجماعي الأفضل في العام الفائت، والإبقاء على صلاحية إبهار اللاعبين حتى خوضهم بطولة العرب للناشئين في أكتوبر القادم، وتجنّب أن يتفرق عناصر المنتخب، وتذهب ريحهم الطيبة، كما حدث لمنتخب الأمل الذي ساد ثم باد في صورة حكايات ضياع بائسة.

* وبصريح العبارة.. لاعبو منتخب الناشئين لا يحتاجون من الآن للمزيد من عزائم التسمين، وإنما لوفاء الداعمين بتعهداتهم، ومواصلة اتحاد كرة القدم لإعدادهم، والاهتمام ببقائهم ضمن السن القانونية، خارج حالة الإفراط في الوهم، وتمثيل دور فُهُود المفرشة بعد أن طالت السكرة، وحان وقت الموضوع والفكرة.

نقلاً عن صحيفة اليمني الأميركي

حول الموقع

سام برس