بقلم/ إيمان الكعبي
مع بداية شهر يناير من العام 2022، هذا العام الذي أطلّ علينا حاملا معه ضيفا جديدا وهو متحور أوميكرون من سلالة كوفيد - 19، ضيف خفيف ثقيل في آن.

خفته التي أظهرها في سرعة انتشاره بين البيوت فلا تكاد تمر ساعة إلا ويتناهى إلى مسامعك بأن فلانا مصاب أو فلانة أصيبت حتى بتنا ننتظر متى يحين دورنا! أما ثقله فيشهد عليه شعور التعب الذي يمر على المصاب بسهامه ناهيك عن مدة أيام الحجر الذي يجبرك على ألاّ تبرح مكانك وألاّ تحرك ساكنا، تَعد الأيام والساعات حتى يحين وقت الافراج والتحرر.

رغم كل ذلك، الانكماش والرتابة اللذان خيما على معظم ضفاف وأجواء يناير الباردة إلا أن الحياة كانت تنبعث في ضفة أخرى منه. فيناير الذي ودّعناه لم يميزه فقط ظهور ذلك المتحور الفيروسي الجديد، بل إن الحراك الثقافي الذي شهدته الدولة كان العلامة المضيئة والنجمة المتلألئة والمتألقة في سماء ذاك الشهر بعودة معرض الكتاب الدولي في نسخته الحادية والثلاثين وبعد انقطاع طويل بسبب الجائحة، وتعطش قراء الكتب لمثل هذا الملتقى الذي شهد هذا العام تميزا لاقى إعجاب زائريه، نسخة تميزت بالتنظيم والابهار والتنوع في مقتنياته وفعالياته المصاحبة وسط اجراءات احترازية بسبب جائحة كورونا، وبعودة تلك النسخة التاريخية نبضت الحياة من جديد وعاد توهُّجُ المشهد الثقافي للدولة وبقوة.

شخصياّ، كان لي الشرف والفرصة هذا العام بأن أكون موجودة بشكل شبه يومي بين أروقة المعرض. وللوهلة الأولى أحسست بأنّ ثمة أمراً ما مختلفا ومشهدا جديدا يسود النسخة الأخيرة. نعم، لقد كانت تلك الحركية الدؤوبة بين أجنحة المعرض والباقةُ المتنوعة من قطوف أزهار النثر والشعر والحِكمة والخيال، بمثابة خليّة نحل كان نتاجُها رحيقا مختوما من طيب الإبداع، ومرآة جميلة انعكس عليها نورُ ثقافتنا وأشعّ على كل روّاد معرض الدوحة.

إنّ تلك الرائحة المميَّزة للكتب وحبرها المعتق والتي رافقت طفولتنا وذاكرتنا، نجح القائمون على وزارة الثقافة في إعادة عطرها السحري وشذاها الخارق إلى أُنوفنا وقلوبنا بعدما أزكمها لفترة طويلة فيروسُ كورونا وأصابتها زحمةُ العصر وسرعتُه بالوهن والخمول. ونفض المعرضُ الغبار عن الكتاب والمَحابر اللذين ربما تحوَّلا لوقت طويل إلى مجرد ديكور صامت يَقبع في ركن من أركان مكتباتنا ومجالسنا، بل حرصت الوزارةُ على توطين الكتاب وجعل الكتاب والكتابة عنصرا من عناصر الإنتاج والتقدم والرقي والتنمية.

إنّ كل ما عشنا على وقعه في الأيام القليلة الماضية يجعلني أجزم متفائلةً، بأنّ ختام الدورة الأخيرة من معرض الدوحة الدولي للكتاب لن تكون صفحةً أخيرة في كتابه الأنيق والفريد بل ديباجة كُتِبت بأحرف من نور لتُشوِّقنا إلى جزء قادم سيكون حافلا بالإبداع..ولتظل ثقافتُنا قولا وفعلا باقية ومستمرة.

نعم، إنّ القول بأنّ رائحة الكتب تطيل الحياة، تتجاوز منحاها العلمي إلى مفعولها الحسي والوجداني.
ألم يكن الكتاب دائما وعاءً للثقافة؟!..الثقافة المفعمة بالحياة والخلق والتجديد والتي تجعلنا دوما في سعادةٍ وصحةِ عقل وبدن وتجعل دربنا واضحا، لأنّ الثقافة نور.. والعلم نور.

نقلاً عن العرب القطرية

حول الموقع

سام برس