بقلم/ شريف عارف
أدب الرحلات نوع فريد من الآداب، يمنح للقارئ متعة من الخيال، وقراءة عادات وتقاليد شعوب في دول ومناطق، ربما تحول الظروف دون أن يشاهدها بنفسه.


في هذا النوع من الأدب، يتحول الكاتب إلى رسام يرصد بريشته أدق التفاصيل، ويختلف الرصد من عين إلى أخرى، وهذا يتوقف بالدرجة الأولى على عمق المشاهدة، وقدرة الكاتب على عرض ثقافات الأمم والدول والمناطق التي يزورها.

ولعل من أشهر كتب أدب الرحلات في القرن العشرين، هو كتاب "أعجب الرحلات في التاريخ" للكاتب الراحل أنيس منصور، ويروي الكاتب عبر 54 رحلة حول العالم للعديد من المستكشفين والغزاة والرحالة والمهاجرين والمسافرين، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1972 ويقع في 460 صفحة.

وللحقيقة، فإن هذا النوع من الأدب، تراجع بشكل كبير، لعدة أسباب في مقدمتها، اتجاه الشغف المعلوماتي للقراء إلى "النيوميديا"، وتحديدًا وسائل التواصل التي تنقل الغريب والعجيب في بقاع الأرض، كذلك الإنتاج الوثائقي الهائل الذي تقوم به، غالبية المحطات الكبرى عالميًا وإقليميًا.

كل هذه الأسباب، جعلت من أدب الرحلات عملة نادرة الآن، لكن جمهور الكتاب مازال لديهم الاستعداد لاستقبال كل جديد.

على هامش الدورة الـ53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، صدرت الطبعة الأولى من كتاب "عن العشق والسفر.. رفيقا طريق" للكاتبة نهى عودة، وهي مهندسة معمارية، وعضو في فريق "بصمة" للأبحاث التاريخية، وتبدو من كتاباتها حالة العشق للتحقيق التراثي، والرواية.

الكتاب، الذي حوى رحلات متفردة إلى سريلانكا والأردن وفينيسيا، هو كتاب شيق لأبعد الحدود، ولغته بسيطة ويقدم إجابات لأسئلة تدور في أذهان الكثيرين، هذا الكتاب مختلف عما دونه الرحالة من قبل، هو مزيج من عبق الماضي وبصمة الحاضر، فهو لم يهتم بجغرافية المكان، لكنه تعمق في أروقة التاريخ.

تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب عن السفر: (منذ أن بدأ محمد بن جزي الكلبي تدوين رحلات أمير الرحالة المسلمين محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف باسم ابن بطوطة في رائعته "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" قبل أكثر من سبعة قرون، وبالتحديد في منتصف القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر، ظل أدب الرحلات ذا رونق مميز؛ خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار غياب وسائل النقل السريع في عصر ما قبل البخار، كانت الرحلات المدونة هي الوسيلة الوحيدة للتعرف على عادات وتقاليد المدن، لم تكن زيارتها متاحة حينها ورؤية شعوبها - افتراضيًا - عن قرب.

ربما كانت قصيدة "سرنديب" لرب السيف والقلم محمود سامي البارودي، هي بداية المعرفة بجزيرة سريلانكا أو "سرنديب"، التي كانت منفى رفقاء وثوار الثورة العرابية، ففي فصل كامل تكشف المؤلفة عن بلاد الأساطير والعجائب في سريلانكا، وهي الجزيرة الصغيرة التي تقع شمال المحيط الهندي جنوب الهند، فإحدى الأساطير الشائعة تقول إن سريلانكا كانت في الأزمان الغابرة جزءًا من الهند، ثم انفصلت عنها بفعل الظواهر الطبيعية؛ لتكون جزيرة على شكل قطرة ماء، أطلقوا عليها "دمعة الهند".

تكشف المؤلفة عن أول ما جذب انتباهها، حين وطأت قدماها مطار كولومبو، هو ذلك الزي الفريد لطاقم مضيفات الطيران السريلانكي؛ حيث تتراص الفتيات الجميلات الرشيقات المبتسمات جنبًا إلى جنب، ففي رؤية جديدة وتغيير جذري اعتمدته الخطوط الجوية السريلانكية عام 2010 تم استبدال زي موظفي الخطوط القديم بتصميم جديد؛ اللون ما بين درجات الأزرق والأخضر الناعمة في تدرجات لون موج البحر، وقد تم اختيار لون الزي ونقوشه من وحي أيقونة تم اختيارها بذكاء، فسريلانكا هي موطن رئيسي للطاووس الأزرق، وتماثل نقوش الساري تلك النقوش التي تشبه العيون الملونة، التي تظهر على ذيل ذكر الطاووس عندما يفرده؛ لجذب إناث الطاووس مكونًا شكلًا شبيهًا بالمروحة.

عشرات القصص، يتضمنها هذا الكتاب الممتع، الذي أراه مقدمة لسلسلة مؤلفات في أدب الرحلات.. من المؤكد أنها ستظهر قريبًا..


نقلاً عن بوابة الاهرام

حول الموقع

سام برس