بقلم/ نجاة علي
الإسلام دين شامل والعبادات فيه مقترنة بالسلوك ، كما يرتبط العلم بالعمل، فتهذّب العبادات النفوس وتسمو بالأخلاق؛ فنجد الصلاة تزكي النفس وتطهّر القلب، والصيام غاياته التقوى، والزكاة تقي من البخل والشح والأنانية، وتزرع الفضيلة والألفة والرحمة ، والحج يرتقي بالأخلاق ويهذّب السلوك، ولو أننا استشعرنا الغاية من العبادات وأدركنا قيمتها لعم المجتمع علاقات الحب والمودة والرحمة.

نحن على بُعد أيام من فرصة ربانية عظيمة، حيث يهلُّ علينا شهر رمضان أفضل الشهور عند الله تعالى، فيه أُنزل القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر، ولصيامه فضل عظيم وأثر تربوي واجتماعي واقتصادي كبير؛ فبالنسبة للأثر التربوي فيتضح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائمٌ - مَرَّتَيْنِ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». فنجد التربيةُ على الصَّبر، والتحلِّي بالأدب، وتهذيب النفس وسموِّها عن الشهوات وملذَّات الحياة.

أما الأثر الاجتماعي فيتحقق من خلال الإحساس بالفقراء والمستضعَفين، وإكرامهم وتفقُّد أحوالهم؛ ورعاية أحوال الضعفاء في المجتمع؛ من أراملَ ويتامى ومُعْوِزين. والأثر الاقتصادي يتجسد في الانتظامُ في تناول الوجبات وترشيد الاستهلاك، والتخفيف من نفقات البيت؛ والعمل المستمرَّ الذي يؤدي لزيادة الإنتاج. وبالنسبة للأثر الصحي فللصِّيام آثارٌ نافعة في الصِّحة والبدن؛ خاصَّة على مستوى الجهاز الهضمي؛ فيُجنَّب الصائم أمراض التخمة والسمنة.

أعد الله للصائمين جزاء عظيماً فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، كما قَالَ: قَالَ اللَّهُ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ...» وقال: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ».

وقال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

الصيام مدرسة يتعلّم فيها الإنسان التقوى والإخلاص وتقوية الإرادة والعزيمة، ووقاية النفس من الباطل وهواجس الهوى والفتن، ويعوّد على الكرم والجود، ويوحّد المشاعر ويؤلّف النفوس، فيصبح المجتمع كله جسداً واحداً.. جزاؤه عظيم أعده الله لعباده المتقين، ونحن إذ نستقبل الشهر المبارك نطلب الأجر من رب كريم، ونطمع في ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

نقلاً عن العرب القطرية

حول الموقع

سام برس