بقلم/ إيمان الكعبي
أَعرف أن كل من سيقرأ مقالي هذا سيختلف تفاعله مع ما فيه من كلمات وأفكار بحسب مزاجه وحالته إن كان متأثرا بحالة الصيام أم لا.

بالمناسبة هل أنتم مثلي تبدون أكثر طاقة إيجابية وتركيزا ذهنيا في أيام الصيام مقارنة بأيام الإفطار؟!.

أعلم أن ذلك قد يبدو أمرا غريبا لدى الكثيرين ولربما كان ذلك لديهم أمرا بالفطرة، ومع ذلك أعتقد بأن الدُّربة وتعويد النفس والذهن كفيل بأن ينزع تلك الفطرة ويزرع في الشخصية روحا مختلفة وفكرا وثقافة مغايرين.

ولعلني ما دمت قد ذكرت الثقافة، أجد السياق مناسبا للربط بين هذا وذاك. فالحقيقة الساطعة والواقع الراسخ هو أننا كمجتمعات عربية، يكاد يجمع بيننا في رمضان، ذلك الارتخاء حد التراخي والاستكانة حد السكون مع نسق شهر الصيام.
ولَعَمْري، ذلك سلوك غير سليم في شهر يُفترض أن يكون شهرا للصحوة لا للخمول.. صحوة روحانية وفكرية في آن.

ولذلك نحتاج فعلا في هذا الشهر إلى شيء يوقظنا من ركودنا ويفيقنا من غيبوبة الشبع والامتلاء المَعِديّ لتصحو عقولنا وتستيقظ أذهاننا.

وهنا كان لا بد أن أُحيّي وزارة الثقافة التي بادرت بتنظيم حدث غير مسبوق من كل النواحي، ألا وهو معرض رمضان للكتاب.

هذه الفعالية أستطيع القول إنها جاءت في وقت مثالي للغاية. فهي تعطي تنبيها إلى ذواتنا وعقولنا بأن هناك مع البطن مجال أيضا للدماغ وأن ذوق اللسان لا يجب أن يُهمّش ويطمس فينا ذائقة العقل.

وفي اعتقادي لم يكن اختيار الزمان فقط هو الموفق، بل إن اختيار المكان كان بدوره علامة نجاح.

فبرمجة المعرض في محيط سوق واقف يبعث رسائل مهمة للغاية في تصوّري. ففضلا عن رمزية المكان من زاويته التراثية الفريدة، ربما ارتبط أيضا في ذهن كثير منا بخصوصيته الاستهلاكية الغذائية تحديدا. نعم، أليس جميلا مثلما نتذوق أشهى عصائر محلات السوق أن نتناول أيضا ما تيسر من عصارة الفكر والحضارة في ذلك المعرض الملاصق؟ ومثلما نحتسي قهوتنا المعتقة في السوق، لما لا نرتشف أحلى وألذ فناجين الأدب؟! وكما يملأ كثير من مجتمعنا رأسه لساعات بأحاديث عابرة وغير مفيدة، لماذا لا يعمر بدلا من ذلك رأسه بروائع النثر والشعر الراسخ؟!.

نعم.. في أوقات ما نحتاج لما يوقظنا من سباتنا، لما يجنبنا التماهي مع نسق الحياة اليومية المخدر. نحتاج لما يذكرنا بأن لنا إرثا فكريا إسلاميا يجب أن نفخر به وأن نُباهي به بين الأمم. بأن لنا لغة عربية هي وحدها ما يرفع قيمتنا ويعلي كلمتنا بين شعوب العالم. بأنه يجب ألا ننسى قضايا أمتنا الحارقة. ألا ننسى في ذروة رمضان، فلسطين وأهلها المرابطين، وذلك ما نجح فيه معرض رمضان للكتاب.
في الختام أقول ما قال لقمان لابنه:

يا بُني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

إخواني.. صوموا عن كل شيء.. إلا عن القراءة... فلا تصوموا!.

نقلاً عن العرب القطرية

حول الموقع

سام برس