بقلم/ احمد الشاوش
يدرك الرجل العادل والانسان المنصف والشخصية الموزونة الفرق الكبير بين الامس واليوم ، وشاهد الحال ان من عاش في الماضي القريب والزمن الجميل من جميع ألوان الطيف السياسي والمكونات الفكرية والقبلية ، شعر بنعمة الامن والاستقرار والتعايش السلمي والتنمية في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية رغم الخلافات السياسية .

ويعلم المعلم النبيل والانسان المطلع كم عدد المدارس التي وصلت الى أكثر من 16 ألف مدرسة حكومية حتى العام 2010م تقريباً والجامعات والمعاهد ، ناهيك عن مخرجات التعليم بلاحدود من مصر والاردن وبريطانيا وامريكا وروسيا وفرنسا والمانيا والتشيك والمغرب والجزائر في مجال الطب والهندسة والاقتصاد والتجارة والبترول والقانون والآداب والسياسة والانشاءات والفيزياء والكيمياء والانجازات من الطرق والاتصالات والمؤسسات في كل المحافظات والمدن والقرى وفرص العمل والمرتبات والحوافز والدرجات الوظيفية والقوانين واللوائح والقيم الاصيلة والعادات والتقاليد والاعراف والاسلاف والمدنية التي قطعنا فيها شوطاً كبيراً ، رغم هامش الفساد ومراكز القوى العابثة والمؤامرات الاقليمية والدولية.

اليوم أختلط الحابل بالنابل وماتت الكثير من الضمائر في جميع مناحي الحياة وكأن المشهد يردد المثل اليمني القائل " تبدلت بعد الصقور غربان" ، فلا ضمير حي يعود بناء الى الصدق والامانة والعدالة ولا دستور ألتزمنا به بدءاً من رأس الدولة وحتى آخر ديكور بدرجة وزير يحمل ربطة عُنق أو عكفي أشعث أغبر يحمل بندقية في صنعاء وتعز ومأرب والحديدة وعدن وغيرها.. ولا قانون أحتكمنا اليه ولا شريعة طبقناها ولا قرآن صار منهجاً حقيقياً في جميع معاملاتنا ، حتى وصل الحال ببعض تجار الحروب واصحاب المشاريع الوهمية من السياسيين والحزبيين الى محاولات الانفصال واكتفاء البعض الاخر بحكم محافظة أو مدينة او قرية في اليمن.

والصورة القريبة والمختزلة اليوم لواقع الحال المرير تؤكد للصديق قبل العدو ان الدولة اليمنية ومؤسساتها في وادي نتيجة لاستمرار الفجور والحقد السياسي والمزايدة والتضليل والخطابات الاستهلاكية ووحشية الانتقام التي حول البيت اليمني الى اطلال وقواه السياسية والفكرية والثقافية الى خرابة و مراكز القوى العابثة والكثير من المشايخ أشبه بالاراجيز والجيش اليمني عبرة للتاريخ ، والقبائل مجرد حطب للحروب وتجار الحروب قادة في خدمة الشرق والغرب.

لذلك لم يعد ميزان العدل سارياً في بلادي بعد ان تحول بعض القضاة واعضاء النيابة والمحامين الى آفة وسرطان تنهش أموال وقلوب وعقول وراحة صاحب الحق الذي يفقد الامل بضياعه في دهاليز الرشوة والوساطات ومراكز القوى وسنة تدخل وسنة تخرج والحسابة بتحسب واذا ماحصل على الانصاف لايجد من ينفذ الحكم ، ورغم اطلاق المنظومة العدلية الا ان المواطن لم يشهد الدردحة بقاضي أو وكيل نيابة مرتشي أو محامي بيشتغل خطين !!؟.

ومن عجائب الامور ان المواطن اليمني اليوم يشكو من مضايقات وجبروت وملاحقة طقوم وزارة الاوقاف وهيئتها العليا تحت اسم المحافظة على أراضي "الموقفين" والتعدي على حقوق الملاك ورفع الايجارات بصورة مخالفة للقوانين وتسوير الارصفة والمنافس والمنتزهات وغيرها من التهديد والوعيد بصورة تجافي العدالة ، بينما مهمة وزارة الاوقاف هي مجرد امين لادارة اموال الموقفين وفي حالة أي خلاف هناك محاكم تفصل في أي نزاع ، وليست مهمة الاوقاف ان تتحول الى غريم وقاضي وسجان.

ومن غرائب الامور اليوم وفي ظل غياب دولة المؤسسات ومنها مؤسسة المياه ان تسمع ان أحد المواطنين امتلاءت بيارة منزلة واحضر وايت لشفط البيارة وما ان وصل الوايت بمبلغ عشرين ألف ريال حتى منعه بعض العتاولة والمتهبشين من البدء بعملية الشفط بدعوى الزامه دفع خمسة ألف ريال حق المسيرة والحفاظ على البيئة بحسب الجيران ، في حين انه تم تنظيم وقفة احتجاجية لاصحاب وايتات الشفط وأيقاف العمل وبعد شق الانفس يقال انه تم الاتفاق على دفع الفين ريال على كل وايت !!!؟ والسؤال هو أين دور مؤسسة المياه وأين دور خدمات الدولة في أيصال المجاري والصرف الصحي للمواطنين.

حتى الشوارع الرئيسية والفرز وأصحاب الباصات الاجرة لم يسلموا من بلطجة وسب وقذف وصميل وتقطع مندوبي المرور والنقل والمجالس المحلية في كل زاوية وركن ومطب لاخذ أتاوات بدون سندات رسمية ونقل صورة سيئة جداً .

وعلى وزن ومقولة "من قوى صميلة عاش" ، كثرت هذه الايام التصانيف والتشعيبات وصار صاحب القعشة والصميل عالة على الدولة والمواطن ، وكأن البعض يختزل الرجولة والسيمخة والعيفطة والشجاعة بارتداء السلاح.

ومن العبث والجنون ان يتحول بعض أصحاب العقول الخفيفة وأعشار المتعلمين الى قادة دولة ومؤسسات ومجتمع ورأي يقودون الشعب الى حافة الهاوية دون ان يشعروا بذلك.

لذلك عندما تسقط الدول وتنهار المؤسسات وتتهيكل الجيوش ويسقط الصفوة من العقلاء والحكماء والنبلاء والخبراء والمفكرين والتربويين والمعلمين والمثقفين والاكاديميين والاطباء والمهندسين والقضاة والسياسيين والدبلوماسيين والوجاهات الاجتماعية تلك القواعد الصلبة التي شاركت في بناء البيت اليمني من الطبيعي ان تكون النهاية صادمة ، والسواد الاعظم اليوم يتمنى عودة ماقبل انهيار الدولة اليمنية في 2011م والبعض يريد ان يعود نظام الحمدي ، وآخرين حكم بريطانيا في الجنوب بعد بطش الحزب الاشتراكي وفي العراق يتمنون حكم صدام وفي ليبيا القذافي وهكذا لايفكر الزعيم والقائد والمواطن إلا بعد سقوط الرأس في الفأس.

اليوم أصبح كل شيء رخيص في اليمن وأرخص سلعة هي المواطن المغلوب على امره بعد ان أفقروه وجوعوه وجردوه من حقوقه الانسانية .

اليوم المواطن اليمني خائف ، نازح ، مشرد ، ملاحق ، مسجون ، بلا مرتب ، ضحية لقطاع الطرق وأصحاب المشاريع الرخيصة في الداخل والخارج ، غير مرحب به في كل مطارات وموانئ العالم بعد ان كان لليمن أسم وللرؤساء هيبة وللمواطن سمعة طيبة وللجواز احترام وللسيادة عنوان وللجيش سطوة وللقيادة حضور في المحافل الاقليمية والدولية.

لذلك لم نعد ننعم بالامن والاستقرار والبيت اليمني الذي أستظل تحت سقفه الجميع بعد ان تفرقت أيادي سبأ بفعل المال الحرام وتحولت أرض السعيدة الى متارس وقناصات وساحات قتال وخنادق وبنادق ومعابر ومقابر ومزايدة ومتاجرة بالشعب .

أخيراً .. هل يتحمل حكام اليمن المسؤولية الدينية والوطنية والاخلاقية والانسانية أمام الله والوطن والشعب في صنعاء وتعز والحديدة وعدن ومأرب ،، وان يفعلوا الضمير ويوقفوا النفس الاماراة بالسؤ والبدء بإصلاح القضاء وانصاف الناس ووقف تهور الاوقاف وصرف المرتبات وتقديم الخدمات ووقف ومحاكمة كل فاسد وعابث وظالم واصلاح ما أفسده الدهر .. أملنا كبير .. مالم فإن الخاتمة فضيعة وان الجزاء من جنس العمل ودعوة مظلوم في ليل حالك قد تنزع الهيبة والملك كما ينزع الله الروح من البدن فهل من معتبر.

حول الموقع

سام برس