بقلم/ عبدالباري عطوان
بعد إنهيار حكومة نفتالي بينيت اليمينية الإسرائيلية وقرارها بحل البرلمان (الكنيست)، والذهاب الى انتخابات خامسة في غضون ثلاثة سنوات ونصف، خرجت أصوات عديدة سواء داخل الأراضي المحتلة او في المنطقة العربية “تولول” رعبا من إحتمالات عودة بنيامين نتنياهو الى الحكم، وهي على أي حال عودة غير مضمونة، ولكن ماذا نقول عن ضعاف النفوس.

دولة الاحتلال الإسرائيلي تقف على حافة الإنهيار مع إقتراب عمرها الإفتراضي من نهايته، وتفاقم أزماتها الداخلية، وتصاعد قوة محور المقاومة سياسيا وعسكريا، وإنتقال الحروب الغربية الإستعمارية للمرة الأولى منذ مئة عام تقريبا من الشرق الأوسط الى العمق الأوروبي على أرضية الحرب الأوكرانية التي كسبتها روسيا اقتصاديا وعسكريا حتى الآن.

لماذا يخاف البعض منا من عودة نتنياهو؟ فليعد نتنياهو الى رئاسة دولة ممزقة منقسمة، تتفاقم في أوساطها الصراعات السياسية، وتحاط بمنظومات صواريخ من كل الجهات تقريبا، وتعجز عن اقتحام مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر مربع واحد.
حكم نتنياهو الذي استمر أكثر من 16 عاما متواصلة، كان حافلا بالهزائم، وآخرها حرب “سيف القدس” التي عزلت دولة الاحتلال عن العالم لأكثر من 11 يوما، عاش طوالها ستة ملايين إسرائيلي في الملاجئ، ولم يعد امام هؤلاء غير ركوب البحر هربا من الصواريخ القادمة حتما بحثا عن جزر يونانية غير مأهولة للإقامة فيها ريثما يجدون مقرا نهائيا.

نتنياهو هذا “الرجل القوي” الذي يخشاه بعض العرب ركع على ركبتيه امام الرئيس جو بايدن مستجديا إقناع القيادة المصرية بالتوسط لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة اثناء حرب “سيف القدس” لوقف اطلاق الصواريخ لتبديد حالة الرعب التي تسود المجتمع الإسرائيلي، وعبر عنها الكثير من الكتاب بالقول “ان هذه البلد لم تعد قابلة للحياة فيها، ولا بديل عن الهجرة الى أوطان جديدة آمنة”.

إسرائيل، سواء يحكمها نتنياهو او بينيت باتت تواجه خطرا وجوديا اسمه القوة النووية الإسلامية الإيرانية واذرعها العسكرية المتخمة ترساناتها بالصواريخ الدقيقة والمسيرّات، وأصبحت على وشك ان تفقد تفوقها العسكري وردعها النووي، ان لم تكن قد فقدته فعلا، فليأت نتنياهو وليجرب حظه، فالمعادلات على الأرض تتغير كل شهر، ولصالح المرابطين في بيت المقدس واكناف بيت القدس.

لم يحقق نتنياهو طوال فترة حكمه الأطول في تاريخ إسرائيل الا الهزائم، والاستعراضات الإعلامية المليئة بالأكاذيب، والتهديدات الفارغة، ولم يجرؤ في أي يوم من الأيام على اقتحام قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، ولا توجد فيه جبال او هضاب او ادغال، وانما إرادة قوية بالمقاومة حتى الشهادة لدى أبنائه.

صحيح انه استخدم دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر كسوط لجلد بعض الزعماء العرب وارهابهم ودفعهم نحو التطبيع، وتوقيع اتفاقات سلام ابراهام، ولكن الصحيح أيضا ان هذا الاختراق كان إعلاميا دعائيا، وان الدول المطبعة، قديما وحديثا، باتت على حافة إضطرابات داخلية، وتهديدات خارجية مرشحة للتصاعد، فمصر على أبواب مجاعة وتحتاج الى 25 مليار دولار فورا لتجنبها، والأردن كذلك، ولم تعد ايران بلد المجوس في نظر الكثير من دول الخليج التي باتت تتفاوض معها وتطلب ودها، وتأمل بمساعدتها للخروج من حرب اليمن.

المنطقة كلها تقف حاليا على حافة حرب إقليمية، وامريكا التي كانت الداعم والمنقذ الأكبر لإسرائيل فقدت زعامتها للعالم بفضل تصاعد تحالف روسي صيني أكثر قوة وصلابة عسكريا واقتصاديا، وحرب أوكرانيا التي قد تستمر لسنوات، وربما تتطور الى حرب عالمية ثالثة غيرت كل المعادلات في العالم ابتداء من القمة ووصولا الى القاع.
عامل التغيير الأكبر هو عودة الشعوب العربية الى ثقافة المقاومة، باعتبارها المخرج الوحيد من حالة الإذلال والهوان التي تعيشها حاليا بفضل خنوع قياداتها للإملاءات، وسياسات الحلب والإبتزاز الامريكية والإسرائيلية، فحتى لو عاد الثنائي ترامب وكوشنر، لن يكون باستطاعتهم إنقاذ دولة الاحتلال الإسرائيلي من ازماتها.

بضعة صواريخ دقيقة تقصف منصات الغاز الإسرائيلي المسروق في شرق المتوسط، او محطات الكهرباء والمياه في حيفا وما بعد حيفا، ستفضح هشاشة هذا الكيان، وستدفع مئات الآلاف من مستوطنيه للرحيل، وعودة نتنياهو الذي دمر خيار السلام بغروره وغطرسته وحركاته البلهوانية، لن يغير من هذه الحقيقة، بل قد يعجل بزوال إسرائيل، بحيث لن تكمل عقدها الثامن مثلما تنبأ خصمه ايهود باراك.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس