بقلم/ معاذ الخميسي
▪لم اعرف أبي جيداً..فقد مات وأنا صغير السن..لكنني عرفت (أبي محمد) الذي كان لأسرتنا أباً..وهامةً..وقامةً..وحباً..وفخراً..واعتزازاً.. وملجأً..ومرجعاً..وهو الذي كان لأبي أخاً وصديقاً وقريباً..ارتبطا بقرابة والدتيهما الشقيقتين..والدته أمة اللطيف..ووالدة أبي أمة الله..!

▪ ومنذ صغري كنت أجد في زيارة أحد إخواني له فرصة لأن أجلس إلى جواره وأستمتع بكلامه وأحاديثة المختلفة وحكاياته اللذيذة..وتعليقاته الطريفة..واجاباته التي يتوسع فيها بلا ضيق أو ضجر !

▪في السنوات الأخيرة..كنت أزوره من حين إلى آخر..وفي بعض فترات أنقطع عنه كثيراً..وبمجرد أن أذهب لزيارته يباغتني بابتسامة وهو يقول(كم لي مِنَّكْ)..؟؟ وكنت أشعر أنه يؤنبني بحب ولطف وحنية..وأنا ذلك الذي يظل مقصراً اطلب نصائحه وأرجو دعواته التي أحرص على ان أسمعه يتمتم بها عليّ إلا في زيارتي الاخيرة له إلى المستشفى قبل عدة ايام من وفاته حيث كان يفتح عينيه ثم يغمضهما ويحرك يده لينزع قبضة الأصبع الخاصة بقياس التنفس ونبض القلب..!

• في حضرة (ابي محمد) القاضي العلامة محمد اسماعيل العمراني لا يمكن إلا أن تشعر بانك في أفضل حالات الراحة والطمانينة والسعادة..وكأنك تمتلك الدنيا وما فيها..وهو الذي يلقاك مبتسماً ولطيفاً وودوداً في المسجد أو المنزل..ولابد أن يأخذك إلى أحاديث وحكايات لا تُمل..ولا تخلو جلسة أو زيارة من النكتة..وما أجمل وأحلى والطف (النكت) ومغازيها من فمه وذاكرته التي ظلت قوية جداً إلى يوم مماته..!

▪ظل طوال عمره عالماً جليلاً..وفاضلاً..ينشر العلم ويعلم الأجيال ويخدم الدين في بحور الفقه والحديث..وكان من أحب العلماء الى قلوب الناس بما عرف عنه من علم واسع وزاخر وما اشُتهر به من اعتدال ووسطية وابتعاده عن التعصب والصراعات السياسية والحزبية.

▪ورغم ثقل السنين وكبر العمر في سنواته الاخيرة إلا أنه أستمر كما كان على نفس النهج والطباع ورحابة الصدر والابتسامة واللطافة..والأناقة التي لا يشبهه فيها أحد..وواصل انفراده في العلم والحديث وهو العالم الذي يفتخر به وبعلمه الملايين في مختلف بقاع الأرض..بل ويعتبرونه أحد أبرز علماء الأرض إن لم يكن أعلمهم كما وصفه أحد كبار العلماء

▪وعلى ذكر علمه..قد يستغرب كثيرون أنه ومن شدة تواضعه لله ولما تعلمه وعلّمه لا يحب أن يُنادي بالعالم..بل بالقاضي..كما أنه لا يحب أن يُقال له أطال الله في عمركم..بل أحسن الله خاتمتكم..وليس من الذين يحبون الظهور أو مكاسب الدنيا..فعاش..ومات..وهو ذلك الذي لا يمتلك سوى منزلاً في صنعاء القديمة وآخر في حده بناه على أرض زوجته..وسيارة واحده موديل 82..!!

▪ويكفي لنعرف حجم حبه في قلوب الناس ذلك التشييع الكبير الذي حظي به قبل عام رغم أنه لم يتم الترتيب للدفن ولا التحضير..وبمجرد أن توفاه الله تم دفنه..وأبُلغ الناس بالصلاة في جوامعهم (صلاة الغائب)..ومع ذلك امتلأ السبعين وكان المشهد أبلغ من أي وصف لحب لا يمكن أن يتغير أو يتبدل..!!

▪ خسرناه..وخسرت الأمتين العربية والاسلامية عالماً جليلاً..في الفقه والحديث..وفي التسامح والاعتدال..وفي الحب والود..وفي الابتسامة واللطافة والدعابة..وفي إجماع الناس على حبه..!

▪في ذكرى وفاته الأولى أظل أردد..رحمة الله تغشاكم..ومغفرته..ورضوانه..وربنا يجبر مصابكم أخواني عبدالغني..وعبدالملك..وعبدالوهاب.. وعبدالرزاق محمد اسماعيل..وعبدالولي..وعبدالحميد..وعبدالحكيم..وعصام عبدالرحمن اسماعيل..وجميع الأخوات..والأبناء..والأحفاد..والأنساب..والأهل..والأحباب..وأبناء اليمن..فمصابنا جلل..وخسارتنا عظيمة..ولله ما اعطى..ولله ما أخذ.

حول الموقع

سام برس