بقلم/ يحيى يحيى السريحي
لقد استطاعت الحضارة الإسلامية أن تصهر حضارات الشرق تحت قالب الثقافة الإسلامية لتؤسس ثلاث مدن كانت ركائز العلم للعالم ، بغداد في الوسط ، وقرطبة في الغرب ، وسمرقند في الشرق لتنبثق العلوم في شتى بقاع الأرض من هذه العواصم الثلاث ، لقد كانت الحضارة الاسلامية أطول أمد حضاري يشهده التاريخ لألف عام ، وكان ولا يزال الفضل للمسلمين في أغلب التقنيات والعلوم حتى اليوم ، نعم نحن لسنا نعيش في الماضي ولكن التاريخ لا يسهل تجاهله والفكاك منه ، ويكفي أن ندرك أن ما يعيشه البشر من تنقل من مأساة لمأساة والاهوال التي مرت على جميع الامم قد ازدادت بازدياد تقهقر وتراجع دور دول الاسلام وحكم المسلمين للأرض ، ولنسأل أنفسنا من هي الأمة التي قدمت السلم والسلام للضعفاء وللبشرية جمعاء غير أمة الإسلام ؟ وماهي الحضارة الأجدر لقيادة العالم ؟ بعدما امتلأ رصيد كل تلك الحضارات اللاحقة لحضارات المسلمين بسفك الدماء والطغيان ، بينما ظلت أمة الإسلام بريئة من هذا السواد وضلت الحضارة الاسلامية وحدها منارة للرحمة والعدل والانسانية للبشرية جمعاء..

لأجل هذا التاريخ المشرف حاول اعداء الاسلام والمسلمين من الغرب والامريكان إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين لينفروا البشرية من الاسلام والذي بات واضحا اقبال اعداد من الغرب لا بأس بهم والدخول في دين الاسلام بعد أن تيقنوا أنه الدين الحق ، فكلما زاد التركيز على الإسلام في وسائل الإعلام الغربية زاد ميل الاوربيين إلى التحول إلى الإسلام ، الإسلام أصبح راسخًا وأعداد المسلمين الجدد آخذة في الإرتفاع ، لأجل ذلك استشعر اعداء الاسلام خطورته عليهم وعلى دينهم المحرف وقاموا بحملة صليبية شرسة ضد الاسلام والمسلمين ..

ويكفي المسلمين حجة وشرف أنهم في العصور القديمة وصدر الإسلام لم يصلبوا أربعين ألفا على أبواب روما ، ولم يجعلوا ثلثي إمبراطوريتهم الاسلاميه من العبيد ، بل المسلمين هم من حرروا البشرية من العبودية لأن الاسلام جاء بالمساواة والحرية لكل الناس ، ولم يقهر المسلمين أو يذلوا رعاياهم كالأكاسرة ، ولم يجلبوا المكوس ويقطعوا الأكتاف كسابور ويفقعوا الأعين ، ولم يكن من المسلمين أتيلا الهوني جبار البرابرة المتوحش الذي عبر من الشرق ليدمر سبعين مدينة من روسيا إلى أن عبر نهر الدانوب وأشاع القتل والرعب وأخذ السبايا والأرقاء ، ولم يكن المسلمين تلك الأمم التي خلدت ذكراها في تلك العصور بالتاريخ بأبشع الجرائم ، بل هم الذين خرجوا على أسنمة الجمال بدعوة التوحيد ليخرجوا العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد ، حتى عبروا جبال الزاغروس ويستقروا على حدود الصين ..

لقد عبر المسلمون بالجياد من المدينة في الحجاز لمواجهة كراديس الروم في مؤتة واليرموك وحرروا الشام من هرقل ، والأقباط من المقوقس إلى أن اتجهوا غربا ووقفت تلك الجياد على ضفة المحيط الأطلسي ، وعبرت شمالا لبواتيه في جنوب فرنسا .. لقد أسس المسلمين نظام عالمي جديد ولم يذكر لنا التاريخ صلبانا على أبواب دمشق ، وبغداد ، ولا مذابح ، ولا إبادات قام بها المسلمون إبان حكمهم ، بل كانت سيوفهم سيوف رحمة ، وعدل ، رحب بها الأقباط ، وحملها طارق بن زياد الأمازيغي مع العرب الفاتحين .

اما في العصور الوسطى والعصر الذهبي للإسلام فلم يكن المسلمين في تلك الحقب مغول الشرق ليريقوا الدماء من بكين لحدود برلين ، واسكندافيا، ويدمروا حواضر العلم في العالم ، ويحرقوا ملايين الكتب ويلقوا بها في الفرات كما فعل المغول ، ولم ينهبوا الفقراء باسم الكرسي البابوي ، والإمبراطورية المقدسة ، ولم يجعلوا بين البشر طبقات ، ولا مسميات ، ولم يطلقوا حروبا صليبية صكوك غفرانها دماء الأبرياء في بلاد المسلمين . وليس المسلمين من أشعل حربا بين الكاثوليك والبروتستانت لمدة ثلاثين عام قتل فيها 8 ملايين سرى فيها الدمار والرعب كما سرى الطاعون الأسود ، حيث رملت النساء ، وشاعت لكثرتهم الفحشاء ، وتفشى الفقر والجهل والبؤس والشقاء .

بل كان المسلمون الضحية الكبرى لتلك الجرائم ومع أنهم الدولة الأقوى ، إلا أنهم يظهروا الرحمة حينما ينتصرون ، ولم يفعل صلاح الدين بعد حطين ما فعله ريتشاد قلب الأسد في عكا ، وما فعله أرناط حاكم الكرك ، بل قد أذهل صلاح الدين أوروبا بسماحته وشهامته. كما لم يفعل هارون الرشيد ، كما فعله هولاكو ، بل على النقيض من ذلك فقد حكم الرشيد بغداد ، ليبني بيت الحكمة وحكم هولاكو بغداد ، ليهدم بيت الحكمة ذاته ! إنها لإحدى الشواهد التاريخية التي تخبرنا بالفرق ، بيننا وبين تلك الأمم في ذات المكان والزمان .

حول الموقع

سام برس