بقلم/ يحيى يحيى السريحي
حينما تموت الاخلاق تفقد الحياة قيمتها ، فالأصل أن البشرية ولدت على فطرة الاخلاق ، وهذا ما أكد عليه نبينا الكريم محمد صل الله عليه وسلم بقوله : " إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق " والمولى جل في علاه يقول واصفا نبيه بقوله تعالى : " وانك لعلى خلق عظيم " صدق الله العظيم ..

وحين قرأت كتاب موت الغرب للسياسي والكاتب باتريك جيه بوكانن والذي يقول فيه إن الموت الذي يلوح فى أفق الغرب هو في الواقع موتان موت أخلاقى بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية ، وموت ديموجرافي وبيولوجي بسبب النقص السكاني بالموت الطبيعي ، ويظهر ذلك بوضوح بين العائلات وفي السجلات الحكومية، التي تشير الى إضمحلال القوى البشرية في الغرب، وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا بإستقدام المزيد من المهاجرين الشبان وعائلاتهم ، أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية الى مكانتها التي كانت عليها من قبل ، وقال‏أراد الغرب تحرير المرأة ففرض على الرجل أن يعطي نصف ثروته لزوجته في حال وقوع الطلاق بينهما ، ‏وسمح للمرأة بالمساكنة مع الرجل دون زواج ‏فعزف معظم الشباب عن الزواج، واضطرت المرأة للعيش مع الرجل بدون زواج !! ‏كريستيانو رونالدو مثلا قام بمعاشرة أربع نساء وأنجب أولاده جميعا منهن بدون عقد زواج واحد ، البعض يبرر ذلك بموضوع نصف أموال الرجل التى تذهب للمرأة عند وقوع الطلاق ، لكن هذا ليس سببا في العزوف عن الزواج ، لأن الامر يمكن حله قانونيا ببساطة قبل الزواج بتوقيع "إتفاق بريناب" Prenup الذى‏ يمنع تقسيم الأموال في حال الخلاف ز

ويستطرد بوكانن الأمر أذن له علاقة بالإلتزام الأبدي مع رجل واحد أو امرأة واحدة ، لذا يلجأون فى الغرب لعلاقات ما قبل الزواج كنوع من التجربة .

وقال ايضا ان أكبر جريمة ارتكبها الغرب في حق النساء والتي أخفوها تحت ستار ما يسمى ب "الموضة" ، تحويل المرأة الى سلعة تباع وتشترى ، وتعرض وتسوق لبيع المنتجات ، لأجل ذلك فإن المجتمع الغربي مجتمع منحط والحضارة الغربية هي الأخرى تحتضر وتموت ..

ويقول الكاتب لماذا تشن الايديولوجيات المادية حربا شعواء على الأسرة ؟ سؤال محير للبعض وقد لايجدون له اجابة ، لكن وفي عجالة يقول الكاتب انه يمكن ان نحاول من أجل فهم جيد للغرب وفلسفاته الحياتية ، لاني أؤمن أنه لايمكن ان نتطور في المستقبل ، الا اذا فهمنا الغرب بتاريخه الوثني والمسيحي والحداثي ، الذي بدأ بعصر الأنوار وانتهى بثورة الطلاب في فرنسا سنة ١٩٦٨، وبدأ بعدها عصرا مابعد الحداثة ، الذي بدأت البشرية تعيش نيرانه وليست انواره كما بشروا ..فقد اعتبرت الشيوعية الاسرة مظهرا من مظاهر البورجوازية ، التي يجب تفكيكها ، للوصول الى مرحلة الشيوع ، فيتساوى الناس في كل شيء ، ومن قبلها كان مزدك الفارسي في عهود غابرة قد حمل لواء هذا المذهب بدعوة الناس الى تقاسم الاملاك والنساء ، وعملت الايديولوجية الليبرالية على تفتيت الاسرة ، واضعاف العلاقة بين الزوج وشريكته ، (وليس بالضرورة زوجة شرعية بالمفهوم القانوني) ، ونسف العلاقة بين الاباء والأبناء ، وإشغال افراد الأسرة بكثرة أعباء العمل ، وجعلهم افرادا مستهلكين ، ليس لهم هم سوى الادخار من اجل الحصول على السلع والاستهلاك وبالتالي الوصول الى الرفاهية ، لاشك ان ابناء العالم الثالث يرون ، أن الغرب بنظامه الاجتماعي رمزا للتحرر ، ومصدرا للقوة ، وملهما للمجتمعات المتخلفة ، ولذلك نرى موجات الهجرة المتتابعة الى بلاد الدر ، والفردوس المفقود ، تستهويهم ، وهم لايرون الا القشرة ، التي تخفي اسرار الغرب وعيوبه ، كما تخفي المواد التجميلية عيوب العروس المساقة الى زوجها.

وياليت ان الغرب اكتفى بجعل مجتمعاته مجتمعات استهلاكية ، بل انه يقود حملة شعواء على الاسرة لتفكيكها ، وتغيير انظمتها وصورها ، فبدأ أولا بشن معركته ضد الاب ورمزيته، فاستعار لها عبارات الاحتقار ، من عبارة السلطة الابوية الى غيرها من العبارات الازدرائية كالسلطة الذكورية ، ومارس حربا من دون هوادة على الاب ، ثم جعل منه أمًّا ثانية ، بدفع المرأة للخروج الى العمل ، وقد كان الفيلسوف الألماني شبينغلر المتوفى سنة 1936 قد أكد في كتابه " تدهور الغرب " ان الغرب قد حفر قبره بيده حينما قام بإخراج المرأة الى العمل ، وهذا ما أكده مستشار بوش الإبن "باتريك بوكنان " ، في كتابه موت الغرب .. فهل سيصمد الغرب بتفكيكه للاسرة ، ومخالفته للفطرة الانسانية ، وتشيينه للانسان ، وادخاله عالم الاغتراب ؟!!

حول الموقع

سام برس