بقلم/ حمزة بلحاج صالح
هذه كلمة عابرة ستكون مدخلا للاتي قريبا.. قد نختلف أو نتفق وقد نقف موقفا وطنيا معارضا أو مؤيدا من مختلف الأنظمة الحاكمة المتعاقبة في الجزائر منذ ستون سنة إلى اليوم تداولت على الحكم كذلك الحال بالنسبة للأنظمة التي تعاقبت على الحكم في سوريا الشقيقة…

غير أنه لا يمكن لعاقل و وطني مخلص للجزائر و محب للشعب السوري ويفصل بين الدولة و الشعب من جهة و نظم الحكم المختلفة من جهة أخرى أن ينكر أن في الجزائر بعض الثوابت الهامة و المفصلية جدا في السياسة الخارجية منها مثلا لا حصرا حسن العلاقات الجزائرية الإيرانية و هو ثابت مستقر نأمل ديمومته و تطوره و كذلك حسن العلاقات الجزائرية السورية التي تعدت أن تكون بين الشعوب بل بين الإنظمة في مواقف حرجة و استراتيجية كانت اختبارا للأنظمة في مدى صلابة العلاقات ومتانتها بين بعضها…

هذه العلاقات الجيدة والمتينة والإستراتيجية أحسنت جدا الدولة الجزائرية عسكرا وحكما مدنيا وشعوبا في الحفاظ عليها ورعايتها واستدعاءها في الحالات العصيبة من الشدة و أكتفي بتنويهي عند هذا الحد…
إن الجزائر تحافظ على تماسك خط الممانعة و تضع لكل عدوان سقفا لا يجب تجاوزه وخرقه مثل سقف العدوان على ايران و سوريا وكل خط الممانعة فهو خط أحمر في السياسة الخارجية الجزائرية…

إن الجزائر التي راكمت تجربة كثيفة و طويلة و نوعية مع سوريا مثلا في قضية رفض العدوان وتغيير النظام السوري بتدخل القوى الإستكبارية و أنا هنا ألتزم بهذه القضايا و نافحت عنها و مواصل نهجي ما لا يسمح لي بتبرير كل أداء الحكم السوري و نظام بشار أو إعتباره منارة تهدي و أدرك أن بشار حشر حشرا لكي لا يبقى له خيارا غير مكلف إلا ما هو عليه و فيه اليوم لكن ليست هذه تبرئة ذمة أيضا…

المعادلة الجيوسياسية معقدة جدا يصنعها الأقوياء أي من يملكون القوة الاقتصادية و العسكرية و يوجهون القرار في العالم فيضعون الدول الإسلامية والعربية في مضيق حاد إن اختاروا ضفة تحسب على الحالة الإسلامية او العربية وجدوا أنفسهم يسيئون لمن في الضفة الأخرى و يحسبون هم أيضا على الحالة الإسلامية او العربية فكل الخيارات مكلفة و ممزقة….

حالة فتنوية معقدة كقطع الليل المظلمة تلفها الغيوم و العتمة و الظلمة حيث كل ظالم مظلوم وكل مظلوم ظالم…الكل ظالم و الكل مظلوم…

و في هذه الخيارات المطروحة امامهم كلها بأس شديد و أضرار على الامة الإسلامية و العربية و لا منافع فيها…
قد أكون قاسيا إن قلت أن الجزائر على خلاف العرب تقريبا كلهم إتخذت موقفا مشرفا و تاريخيا و هي تشترط عودة سوريا الى القمة العربية و المشاركة فيها و لا تكترث أن يبيع جل العرب ذممهم و هممهم بسعر بخس فينكسوا رؤوسهم في ريشهم كما تفعل اليمامة…

إن الذي يهمني هنا ليس أداء النظامين بل هذه القضايا المتعلقة بحال الأمة العربية و الإسلامية فقط…
متى كانت و مارست الأنظمة العربية الحرية و الديمقراطية حتى تصف بشار الأسد وحده بالدكتاتور و السفاح و الطاغية و بينهم صنوف من السفاحين لا يتعامل معهم الغرب و العرب بنفس الشراسة و لا يقاطعونهم و قد فحموا الجثث و قتلوا الشباب و النساء و الرجال و الأطفال و منهم من قطه الجثث بالمنشار فمالكم كيف تحكمون…هل تراني أبرركل أداء بشار في الحكم كلا بل أندد و أرفض الكثير مما يحدث لكن المعضلة أعقد بكثير و لا تقبل المساومة و لا المزايدة و لا التجزئة…

إن العالم بمشاركة قوى استراتيجية مثل ايران و تركيا و الصين و كوريا و روسيا …يعيد ترتيب أوراقه و فك الارتباط اليوم بقوى الهيمنة و الاستعباد و يتحرر من غطرسة محور الشرور و الاثام لتكون الجزائر ذات السبق في هذا بل تعزز بشجاعة علاقاتها التجارية و الاقتصادية مع سوريا و تدعو جهرة إلى ضرورة مشاركة سوريا في القمة العربية…

و لما كان يجب قول أحسنت للذي أحسن و على رأسهم الجزائر نقول لبعض دول الخليج الماضية أيضا في هذا الإتجاه منهم جهرة و منهم باحتشام ربما و لها ما لها و عليها ما عليها نقول لهم احسنتم في مراجعة مواقفكم و خندق اصطفافاتكم و قبولكم بعودة سوريا الى المحفل العربي عساها تكون لحظة هبة عربية و إسلامية و نقول للمترددين احسموا و لا تفوتوا هذا المنعطف التاريخي الهام الذي كنا نتمنى أن يكون أمامنا خيارات أفضل منه من صناعتنا و دروب أقل كلفة نسلكها و نعبدها و نحددها…

على المملكة العربية السعودية ان تفك الارتباط مع التطبيع و تغلق بابه سواء مع الصهيونية أو مع أمريكا و قوى الاستكبار و تقبل بعودة سوريا الى المحفل العربي و التفاوض معها بخصوص لملمة جراحها الداخلية مع شعبها و نخبها في امان من كل الاختراقات و يتحرك المحفل العربي الذي كان في سبات و نتمنى ان القمة العربية تفعل على عجل ميكانيزمات عمل عربي و إسلامي لتلازمهما مشترك حديث و متطور ومناسب للسياق الراهن و لا يبقى ظرفيا عابرا مرتبطا بحدث تتعقبه نكوص و ردات بعد توبة و صحوة…

يمكن لسوريا عبر عودتها أن تهرول أولا الى مصالحة مع ذاتها و شعبها و ترميم ما حصل بجدية فكفى الأنظمة العربية استغوالات و استقواءات و تكتيكات مع شعوبها و نخبها و كفاها تحالفات دائمة مع الاستبداد…

يمكن للجزائر و سوريا بما لهما و ما عليهما ان ينجزا دورا عربيا ناهضا اذا توفرت الخبرات الاستشارية و التقنية العالية و العقول المفكرة و نراها مغيبة و مهمشة و ليس بالضرورة تأتي من الصندوق المتعب و المنهك و المهترئ للداخل الديبلوماسي فهو لا يبهر كثيرا للأسف إلا من رحم ربي و ليست الدبلوماسية عددا من السنين ممارسة تتكرر في وزارة الشؤون الخارجية و في السفارات و القنصليات و البعثات انها فن لا يتقنه الكثير و لا يدرس للأسف حظنا منه يتضاءل و يكاد يكون معدوما…

كل التوفيق للجزائر و التوفيق لسوريا و التوفيق لإيران و خط الممانعة بمن فيه العراق شعوبا رافضة لامريكا و برلمانا عراقيا قطع الطريق امام التطبيع و مراجع دينية شيعة رافضة ثائرة ورجال دين سنة رافضين في العراق و من مراجع الشيعة محمد اليعقوبي .. و حزب الله في لبنان حارسا للثغور مرابطا…

إن الجزائر في علاقتها مع سوريا تحيي التاريخ المشترك من الجهتين و تحيي الأمير عبد القادر و تحيي مصائر مشتركة و أزمنة عجاف و حادة عرفها الشعبان…

تنويهي بهذا الموقف الجزائري مع السوري هو من باب قول أحسنت للذي احسن و أسأت للذي أساء …
إن إيران كوسيط محفز لتحقيق و انجاز هذا الخيار رغم كونها ليست دولة عربية بل دولة مسلمة لكن التشكل الجديد للعالم بوجود ايران سيمنح دفعا لهذا الخيار الجزائري الذي يستحق التثمين…

لم أكتب مقالا على اختصار ما فيه لأطبل إلى نظام حكم كلا ليست هذه أخلاقي لكنني كتبت تنويها لمن يستحقه ولا يتعدى مقالي موضوع الإشادة محددا…

أتمنى ان نستيقظ على وعي لا يجعل المنعطف التاريخي الجديد يفوت و لا يستثمر في خلخلة ماء البركة الاسن للديبلوماسية و السياسة الجزائرية و العربية و الإسلامية فوق هذا ان قلت شيئا فتملق و تزلف و العياذ بالله…
إن الوطنية و العروبة و الإسلام مواقف و قيم عليا لا تملقات و تزلفات و خطابات منمقة لا تخدم الامة و الأوطان…

نترقب بلهفة عودة سوريا الى المحفل العربي الذي نتوقعه غير الذي ألفنا و عرفنا سابقا و على الجزائر أن تصنع من هذه العودة لحظة جديدة في الوعي العربي الراهن و الوعي الإسلامي…

كاتب و باحث و مفكر جزائري

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس