بقلم/ احمد الشاوش
تعيش دول وشعوب العالم المتحررة من العبودية والاساطير والخرافة وسياسات التجهيل اليوم حياتها الطبيعية بصورة مستقرة وآمنة ولم يعد همها الاول والاخير هو كيفية حصول مواطنيها على لقمة العيش وشربة الماء والبحث عن نقطة ضؤ ودبة غاز ولتر بترول وسكن وكتاب مدرسي أوالحصول على وظيفة ، بل انطلقت تلك الدول والشعوب بسرعة البرق الى تنمية الانسان وتحويل المستنقعات والاحراش والصحارئ الى ابراج ومباني ومصانع آية في الجمال ، كما عملت على تطوير برامج الابداع والتصنيع في كافة مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والطب والهندسة والفيزياء والذرة وتكنولوجيا الذكاء الاصنطناعي ، بإرادة وثقة بلاحدود تحت عنوان وسقف المساواة و العدالة والمعايير القانونية وبعيداً عن المزايدة والخطابات الاستهلالكية.

اليوم يعمل علماء وعباقرة ومفكروا العالم في بيئة تعكس عظمة الدول وبراعة وصدق وعدالة القادة وانتظام وسلاسة المؤسسات وانسانية الانسان المُتحرر من خُزعبلات التاريخ المشوه وتطرف المذاهب المسيسة بعد ان خط برامج التربية والتعليم العصرية وأطلق العنان للعقل البشري ومضى في عمليات البناء والتنمية والاهتمام بالانسان الذي هو محورالحدث والحياة.

بينما يدفع اليمنيون اليوم بكافة شرائحهم السياسية والاجتماعية والثقافة والفكرية والمذهبية وفي المقدمة المبدعين أكبر ضريبة في تاريخهم الحديث بعد ان خرجوا عن اطار العقل والحكمة وقيم التسامح والتعايش وأصبحوا لقمة صائغة لتجار الحروب وصكوك الغفران.

وفي اطار المزايدة والارتزاق والتضليل والنفاق والتعصب الاعمى والولاءات الزائفة يعيش ملايين من اليمنيين اليوم تحت خط الفقر والجوع والمرض والجهل في واحدة من أسوأ مراحل التاريخ الانساني بعد ان قطع شوطاً متواضعاً في الحياة المدنية طوال ستين عاماً بتخرج آلاف الاطباء والمهندسين والتربويين والطيارين والاكاديميين والقادة في مدارس ومعاهد وجامعات حكومية مجاناً لكنهم تحولوا بعد ان تفككت أيدي سبأ الى عصف مأكول أمام غربان وتجار الحروب وأصحاب المشاريع المشبوهة من تيارات التآمر الداخلي والخارجي الذي عمل على تدمير الثروة البشرية والعلم وجرف المخرجات الوطنية واعادوا الحياة الى العصور الوسطى بهدم الدولة وتقسيم البيت اليمني الواحد وتحويله الى كانتونات وبراميل وقطاع طرق .

وشاهد الحال ان العالم المتقدم وفي مقدمته الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والمانيا وفرنسا وكندا والصين وروسيا والكوريتين وبقية دول الاتحاد الاوروبي ، يعيش اليوم بكل أريحية وهدؤ واستقرار وزخم ثقافي وفكري وتقدم رغم الازمات ، كخلية نحل تعمل بإنتظام على مدار 24 ساعة دون كلل او خلل ، بمهارات عالية ومعايير وضوابط دقيقة بعيداً عن الواسطة والرشوة وسلطة القبيلة وشيطنة الاحزاب وثقافة القرية وآفة الخلافة والولاية.. وانما وفق الدساتير والعقد الاجتماعي وتشجيع العلم والولاء الوطني الشريف والكفاءة والامانة والصدق وتعدد الفرص وقيم المساواة والعدالة والتسامح والتعايش التي انصهرت فيها كل الاعراق والامراض الاجتماعية والسياسية ومخلفات التاريخ.

الدول المتحضرة اليوم تتنافس مع غيرها من دول العالم بسلطان العلم والحكمة والبرامج الناجحة والمشاريع المتميزة والرؤى والاستراتيجيات المستقبلية بما يُفيد دولها ومؤسساتها وشعوبها والبشرية ، بينما قادتنا الجددالمبجلين حولو طيار ميغ 29 الى مزارع والطيار المدني الى شاقي والمهندس الى قهوجي والطبيب الى عاطل والقائد العسكري الى سمسار بعد ان فقد عمله وقطعوا مرتباته.

والعجيب في الامر ان عظماء الغرب والشرق يواصلون التخطيط والابداع والتألق من خلال الاهتمام بالانسان ومدارس العباقرة وتأمين حياتهم المعيشية وخوض المنافسة واستثمار العقول البشرية ودعمهم وتطويرهم وتنمية قدراتهم وحل مشاكلهم حتى أزهرت وأثمرت عقولهم وجادت على البشرية بصعود القمر ونعمة الضؤ وظهور المذياع والتلفون والتلفزيون والسيارة والبوارج الحربية والسفن والانترنت والطاقة البديلة والذكاء الاصطناعي والليزر والذرة والكمبيوتر والابراج العالية والمدن الذكية بلمسة زر والانسولين والبنسلين واختراعات طبية وهندسية وصناعات متعددة أذهلت العالم العربي والاسلامي القابع تحت مطرقة الجهل الممنهج وسندان الديكتاتورية المبرمج وتخدير المذاهب السياسية والدينية التي أخرجتنا عن اطار العقل والحكمة والفكر والمشاعر الانسانية وحولتنا الى مجرد قطيع واشباح وبنادق وخنادق وفنادق ومتفجرات ونعوش ومقابر نقتل بعضنا البعض على اتفه الاسباب دون أي ذنب ، في حين تحرر الغرب والشرق من حالات الجهل والجمود وعبادة الاوثان والاصنام البشرية وأكذوبة صكوك الغفران.

اليوم اليمنيون بكل مشاربهم الفكرية والسياسية والوطنية من اعلى هرم سلطة الوهم الى أخمص قدميها يسبحون عكس التيار حتى الغرق ، على مستوى بقايا الدولة والقادة والمؤسسات والشعب والمدن والقرى بعد ان أضاعوا البوصلة وسلموا أمرهم للقوى الاقليمية والدولية وصارت قراراتهم برنة تلفون من داخل واشنطن ولندن والرياض وابوظبي والدوحة ومسقط وطهران واسطنبول وتل ابيب ، ومايدعو للغرابة هو تصريحات الرئيس الامريكي على شبكة CNN بإنه وجه بالهدنة شخصياً في اليمن ليؤكد بمالا يدع مجلاً للشك على ان قرار تمديد الهدنة بيد العم سام وادواته وان صرف مرتبات موظفي الدولة بعد الهدنة الموسعة مستقبلاً يأتي في اطار الجانب الانساني وامتصاص الغضب وتحسين صورة الامم المتحدة رغم ان المرتبات هي مسؤولية جميع الاطراف .

ومايدعو للسخرية ان كل قائد ووزير وزير يدعي انه يمثل الشرعية وحامي الوطن والنظام الجمهوري والدين والدنيا بينما واقع الحال يقول غير ذلك ولو تم اجراء استفتاء شعبي لسقطت جميع القوى بعد ان أدخلوا اليمن في دوامة وصدروا الجهل والرعب والفقر والجوع والظلام.

أخيراً .. اليمنيون اليوم يدركون لعبة الامم القذرة وشقاتها في الداخل الذين قمعوا كل وطني شريف وصاحب نخوة وقرار حر بعد ان أنكشفت كل المشاريع المشبوهة وتعرت كل القوى السياسية والدينية والقبلية والحزبية ولم يثقوا في القوى التي تاجرت بالبلاد والعباد وحولت اليمنيين الى مشاريع للموت والقتل والتسول والنزوح والهجرة وساحة للحرب والدمار والدماء ونهب المواطن في كل نقطة ومدينة يمنية وتقسيم اليمن في شماله وجنوبه وشرقه وغربه الى ثكنات ومواقع ودشم وسجون ومعتقلات يحكمها قطاع طرق وعصابات وجماعات منظمة على مستوى الداخل ويحركها الخارج.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل هناك نية لدى جميع اطراف الصراع في اليمن الدخول في حوار سياسي من اجل ارساء السلام في اليمن ، وهل هناك قناعة تامة لدى الاطراف الاقليمية والدولة برفع يدها ووقف نزيف الدم اليمني ومساعدة اليمنيين في حوار يفضي الى السلام أم ان استراتيجيتها ومصالحها واطماعها لم تكتمل؟ الامل كبير رغم ان المشهد صادم.

حول الموقع

سام برس