بقلم/ عبد الله المدني
نجم الكوميديا العبقري في الزمن الجميل الفنان عبدالفتاح القصري، الذي ولد عام 1905 لأب ثري كان يتاجر في الذهب، ودرس في مدرسة الفرير الفرنسية بالخرنفش، وتوفي بعد رحلة إبداع في السينما والمسرح تميزت بطريقة فريدة في الأداء والحديث واللباس واستخدام الأفيهات المضحكة، كان يفتخر بعينه الحولاء ويعتبرها كنزاً لا يفنى ومصدر نجوميته وشهرته إلى درجة أنه كان كلما نظر إلى وجهه في المرآة، قال لنفسه بصوت عال: «لو لم أكن أحول لتمنيت أن أكون أحول».

هذا العملاق، الذي يعتقد الكثيرون أنه كان أمياً بسبب كثرة الأعمال السينمائية التي تقمص فيها دور ابن البلد الجاهل مثل دوره في أفلام: «ابن حميدو»، و«الآنسة حنفي»، و«إسماعيل يس في متحف الشمع»، و«إسماعيل يس في مستشفى المجانين»، و«ليلة الدخلة»، و«أيامي السعيدة»، و«بين إيديك»، و«بنات بحري»، علاوة على آخر أعماله وهو فيلم «سكر هانم» في عام 1960، كتب بنفسه مقالاً خص به مجلة الكواكب المصرية، كبرى مجلات الفن العربية وأقدمها، فقامت المجلة بنشره في عددها الصادر في الأول من يوليو 1949.

في هذا المقال سرد القصري الكثير من الطرائف والحكايات والمضايقات التي تعرض لها بسبب عينه الحولاء فقال: «في عيني اليمنى حول يحتوي على سر نجاحي وشهرتي غصباً عن عيون الحساد والعذال، فهي تجعلني أبدو تارة كالطفل الأبله البريء، وتارة أخرى تظهرني في صورة رؤساء العصابات والأشرار وقطاع الطرق. ومن هنا كان سر شخصيتي الكوميدية، وبهذا تحقق قول الله تعالى «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم». ثم مضى يخبرنا بأن البعض حاول إقناعه بإجراء عملية جراحية لتعديل عينه الحولاء، لكنه اعترض بشدة وقال لهم «كيف أسمح بأن تسلب مني مؤهلاتي بهذه السهولة، هية لعبة! هذه المؤهلات هي التي أتاحت لي التخصص في أدوار أولاد البلد أصحاب المفهومية والمعقولية والجدعنة».

رفض القصري أن يتخلص من حوله، رغم أنه لم يسلم من تعليقات الجمهور المستهزئة، ورغم أن عينه الحولاء أوقعته في مشاكل عديدة و«تريقات» كثيرة من الجمهور ومن بعض زملاء المهنة. وفي هذا السياق روى أنه كان يجلس ذات مرة في الترام أمام سيدة حسناء بصحبة رجل في ضخامة الفيل، ولم ينتبه أن عينه الحولاء وقعت على وجه تلك السيدة، فإذا بزوجها الفيل يصرخ في وجهه قائلاً: «يا أفندي خلي عندك دم.. انت ما شفتش واحدة ست في حياتك!.. بقى لك ساعة وزيادة وعينك ما نزلتش عن مراتي.. مش تختشي شوية»، وما أن سمع ركاب الترام باتهامات الرجل حتى انهالوا على القصري تأنيباً وتقريعاً واستهجاناً دون أن ينجح في إقناعهم بأنه أحول، ما جعله ينزل من الترام في أقرب محطة.

وفي واقعة أخرى، كان القصري يسير ذات مرة في الطريق، فشاهده طفل كان بصحبة أمه وصرخ قائلاً: ماما ماما شوفي الراجل ده عينه طالعة على جنب، وهو ما جعل المارة يستغرقون في الضحك من ملاحظة الطفل الخبيثة.

أما زملاؤه فلم يسلم أيضاً من تعليقاتهم وقفشاتهم كأن يرفع أحدهم أصابعه في وجهه قائلاً: «إذا عرفت دول كم يا عبدالفتاح أديلك شلن». وقد سمع القصري ذات مرة زميلاً له يقول: «ده عبدالفتاح يبقى نايم وعينه الحوله مفتوحة» ليرد عليه آخر: «لا والغريبة إنه يشوف على جنب».

أما الأمر الغريب فهو أن عين القصري الحولاء سليمة النظر (ستة على ستة)، بينما عينه الأخرى أقل قوة، وهذا بطبيعة الحال عكس ما يعتقده الناس من أن العين الحولاء معطوبة وضعيفة.

المفارقة هي أن العين كانت سبباً في نهاية القصري المأساوية. ففي عام 1962 وأثناء عمله في مسرحية مع صديقه إسماعيل يس أصيب بعمى مفاجئ وظل يصرخ قائلاً: «إلحقوني مش قادر أشوف»، بينما الجمهور يزداد ضحكاً لاعتقاده أن الأمر من ضمن أحداث المسرحية، لكن إسماعيل يس تنبه للأمر فسحبه إلى الكواليس. وبسبب إصابته بالعمى تنكرت له زوجته الرابعة التي كانت تصغره بسنوات وطلبت منه الطلاق لتتزوج من صبي كان القصري يعطف عليه ويعامله كابن له، وهذا ضاعف من حزنه واكتئابه لتأتي الحكومة وتزيده يأساً بهدم البيت الذي كان يسكنه في حي الشرابية، الأمر الذي أدى إلى مرضه ثم وفاته بمستشفى خيري في الثامن من مارس 1964.

نقلاً عن البيان

حول الموقع

سام برس