بقلم/ مطهر تقي
لأن إرادة الشعوب من إرادة الله فقد شاءت إرادة الله للشعب اليمني وتلك سنة من سننه أن يقوم بثورته على الحكم الملكي في السادس والعشرين من سبتمبر من عام 1962 بعد أن أفرغ ذلك الحكم الأسباب الإيجابية لإستمراريته في الحكم وحل محلها الخصومه والصراع والقسوة والظلم على الشعب فشاءت إرادة الله أن ينتزع الشعب إرادته من أسرة ظلمت شعبها وظلمت نفسها بصراع وحقد استشرى بين صفوفها واكل بعضها بعضا بالقتل او النفي او التجميد ابتداء بتاريخ موافقة الإمام يحيى(عام 1924) على رأي عدد من المقربين منه بتولي ابنه احمد ولاية العهد.. فانفرط عقد الاخوة بين احمد وإخوته الأمراء وفي مقدمتهم الحسين والمحسن وإبراهيم والحسن وعبدالله والعباس فقد أنكر الحسين والمحسن احقية اخيهم في الحكم لعدم اهليته لشروط الإمامة في العلم والاجتهاد كما يعتقدان..

واعترض بقية الأمراء لاعتقاد بعضهم مثل عبدالله والحسن أنهم احق بالإمامة والملك أما إبراهيم ( وحسب ماذكره الأديب والثائر أحمد الشامي في كتابه رياح التغيير) فقد حاول الإنقلاب على أبيه عام 1946بسبب تجاوز الأب في ظلمه وانغلاق حكمه عن العالم المحيط باليمن وعدم إجرائه اي إصلاحات تنموية من إقامة مدارس ومستشفيات وطرقات ومشاريع مياه.... وعدم الأخذ بمبدأ الشورى في الحكم....

ولم ينقذه من أبيه وأخيه ولي العهد احمد إلا ادعائه مرض الأعصاب (التمثيل بالجنون) حيث تم نقله إلى اسمره بأثيوبيا للعلاج ثم فراره الي عدن لينظم إلي الأحرار من دعاة الإصلاح والتغيير ليكون واحدا منهم وقد حاول أخوه اسماعيل اللحاق به لكن القي القبض عليه في الراهدة وتم إرجاعه الى صنعاء..

وقد تم إلقاء القبض على إبراهيم إثر فشل ثورة 1948 حيث تم سجنه في حجه ومات مسموما مع سبعة وثلاثين شخصية من العلماء والمشائخ والوجهاء-تم اعدامهم وسجن العشرات من الشخصيات الوطنية لسنوات عديدة- وقد كانت تلك الإعدامات والإعتقالات بداية سيئة لحكم الإمام أحمد فقد كان بعض المقربين من ولي العهد وكذلك البعض من الشخصيات الوطنية يعتقدون أن ولي العهد احمد هو الأقدر على نقل اليمن إلى مصاف الدول الأخرى.. بإحداث نقلة إصلاحية تنموية شاملة وتجديد حكم أبيه الذي شاخ وتجمد.. وذلك لما يتمتع به ولي العهد من قوة شخصية وكرم وشجاعة وسعة إطلاع إلا أنه وبدلا من ذلك قام بتلك الإعدامات والاعتقالات دون رحمة او حتى محاكمة عادلة مما أدى إلى مزيد من الحقد الشعبي عليه سرعان ماظهرت نتائجه بعد سبع سنوات بانقلاب أخيه الأمير عبدالله ودعم أخيه العباس وعدد من ضباط الجيش (بقيادة الثلايا) والعلماء والوجهاء عام 1955..

وبعد تغلبه على ذلك الإنقلاب اعدم اخويه عبدالله والعباس حدا بالسيف مع خمسة عشر شخصية وطنية وقد صادف قبيل ذلك الانقلاب وبعد أن وصلت حدة التوتر اشدها بينه وبين إخوته الطامحين في الحكم وعلى رأسهم الحسن.. أوعز الى البعض من المقربين منه (احمد الشامي وإبراهيم الحضراني) اقتراح الدعوة لتولي ابنه محمد البدر امير الحديدة وقتها ولاية العهد ليكون خليفة له في الحكم وكأنه بتلك الخطوة لم يتعلم من تجربته مع إخوته بعد أن أسند والده ولاية العهد إليه..

وكأنه كذلك قرر أن يعيد الخلاف هذه المره بين ابنه محمد البدر وأبناء إخوته وفي مقدمتهم أولاد الحسين بن يحيى وهم محمد واحمد وعبدالله الذين كانو في مقدمة المعارضين للبدر وفكرة ولاية العهد له.. وقد تجسدت تلك المعارضة لحكم الإمام أحمد في الرسالة الناقدة والشديدة في لهجتها التي كتبها عبد الله بن الحسين إلى عمه الإمام أحمد في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي حيث تنبأ بقيام ثورة ضد ظلم وتخلف أسرة حميد الدين.. كما ذكر ذلك بالنص.. مما جعل الإمام أحمد يغضب عليه وينفيه وأخيه محمد الى السفارة اليمنية في ألمانيا. ولم يكن الأمير الحسن بن يحيى بعيدا عن ذلك الصراع.

وهكذا اشتد الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة وتم نفي الأمير الحسن إلى نيويورك لتمثيل اليمن في الأمم المتحدة ليكون بعيدا عن معارضته لحكم ولي العهد محمد. فنشأ تياران متصادمان تيار البدريين بقيادة البدر محمد وتيار الحسنيين (فقضى ذلك على مابقي من اواصر العلاقة بين أسرة آل حميد الدين.)وقد حاول الإمام أحمد أن يساعد ابنه وتياره ضد عمه الحسن ومؤيدية بتحقيق عدد من المنجزات مثل افتتاح كلية الشرطة وكلية الطيران ومدرسة الأسلحة والاتفاق مع الصين الشعبية بشق طريق صنعاء الحديدة وبناء مصنع الغزل والنسيج بصنعاء ومع الاتحاد السوفيتي بصفقة الأسلحة وبناء ميناء الحديده لكن ذلك ومن خلال سياق الأحداث كان في الوقت الضائع وخصوصا بعد محاولة قتل الإمام أحمد في السخنة وكذلك محاولة قتله في مستشفى الحديدة وإحداث حريق بعض أفراد الجيش بيت العمري في صنعاء وتمرد الجيش في تعز (أثناء غياب الإمام أحمد للعلاج في إيطاليا عام 1959 )وحوادث حاشد وخولان والجوف وحجه وقيام الإمام أحمد بقتل الشيخ حسين الاحمر شيخ مشايخ حاشد وابنه حميد كل ذلك قد عجل في تآكل الحكم على أيدي الأسرة الحاكمة نفسها وعلى أيدي الشعب بكل فئاته. وكان هناك من بعض ضباط الجيش وقيادة الحركة الوطنية من يظن أن محمد البدر سيقوم بإحداث حركة إصلاحية شاملة في تطوير الحكم إلا أن خطابه المتشدد بعد موت أبيه الذي توعد فيه بضرب من تسول له نفسه المطالبة بالإصلاحات او المساس بالحكم.. بيد من حديد ومحاولته كذلك إلقاء القبض على عدد من ضباط الجيش وقيادة الحركة الوطنية قد عجل بقيام الثورة. فكان قيام الثورة بتلاحم الضباط من الهاشميين والقحطانيين كحدث لابد منه لإنقاذ مايمكن انقاذه.. وفتح فصول جديدة من التاريخ اليمني لكن تحت راية الجمهورية والحرية في اختيار الحاكم- سواء كان قحطانياً او هاشمياً- ووضع حد لإحتكار الحكم في سلالة أسرة واحدة.

وبالرغم من الأخطاء والخلافات العديدة التي شهدتها الساحة اليمنية بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر إلا أن فكرة الجمهورية ونظامها المعاصر المتمثل في احترام مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية بين اليمنيين جميعاً قد ترسخت في الذاكرة اليمنية وكان ذلك محل إجماع تلك القوى السياسية التي حكمت اليمن طيلة الستين عاما الماضية إبتداءً بالرئيس السلال وإنتهاءً المشاط ولم يتنازل أحد من تلك القوى السياسية والشعبية عن فكرة الجمهورية واستمراريتها فقد تجذرت في أعماق الوعي الشعبي وأصبحت خياراً رئيسياً ومقدساً للشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه من أقصى اليمن إلى أقصاه

تحيا الجمهورية اليمنية...

وكل عام وشعبنا اليمني بألف خير

والله مع إرادة الشعوب

حول الموقع

سام برس