بقلم/عمرو الشوبكي
تناقشت، مؤخرًا، مع مجموعة من الباحثين والخبراء، الذين يعملون فى عدد من مراكز الفكر الغربية داخل الجامعات وخارجها، ويهتمون بالشرق الأوسط والمنطقة العربية، ولهم عشرات الأبحاث والكتب المنشورة حول مصر والعالم العربى، ولم يكن النقاش حول آرائهم ولا ما يكتبونه، إنما حول رأيهم فى تقديرات صانع القرار الأوروبى، (وتحديدًا الدول الكبرى فيه)، والأمريكى بخصوص قضية الديمقراطية فى العالم العربى وهل لا تزال تمثل أولوية أم لا؟، وكانت الإجابة من الجميع أن قضية احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تمثل أولوية لدى النظم الغربية، إنما الأولوية هى للاستقرار، وإذا كانت الديمقراطية ستجلب الاستقرار ولن تهزه، فمرحبًا بها، أما إذا كانت ستؤدى إلى الفوضى فيمكن التخلى عنها.

صحيح أن آراء أغلب الباحثين والكُتاب والمؤسسات المدنية والحقوقية وأصوات الضمير مع الديمقراطية ومع عالمية مفهوم حقوق الإنسان، ويعتبرون أن طريق الاستقرار فى الشرق الأوسط لن يكون إلا عبر بناء نظم ديمقراطية ودولة قانون، إلا أن منظومات الحكم التى تحكمها مصالحها المباشرة تتمنى الاستقرار والتواؤم فى نفس الوقت مع المنظومة العالمية (الغربية)، لا الممانعة كإيران أو الفوضى مثل ليبيا أو العراق أو اليمن، إنما أن يكون هناك استقرار، ولو هش، ولكنه يضمن عدم الإضرار بالمصالح الغربية، وأن يكون حائلًا أمام تصدير الإرهاب أو اللاجئين.

إن إصغاء القوى الكبرى لخطاب ممثلى المنظمات الحقوقية المتعولمة لم يؤدِّ إلى تغير يُذكر فى إعطاء الأولوية للديمقراطية وحقوق الإنسان لأن التمسك بالنظم المستقرة صار هدفًا غربيًّا وأمريكيًّا، حتى لو كان على حساب الديمقراطية.

والحقيقة أن هذا التحول، أى الانتقال من قناعة أن احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان سيحمى الاستقرار، وفى نفس الوقت لن يتعارض مع المصالح الغربية، جاء عقب دخول المنطقة فى صراعات دموية واقتتال أهلى كان من نتيجته هجرة مئات الآلاف من اللاجئين إلى الغرب، ولم يفهم الأمريكان والأوروبيون أن تعثر تجارب الانتقال الديمقراطى فى العالم العربى كان أحد أسابها محاولات فرْضها بالقوة المسلحة، كما فعلت أمريكا فى العراق حين غزَتْها، وأسقطت النظام والدولة، وجاءت بمنظومة حكم طائفية تعثرت فى جلب الديمقراطية والاستقرار. أى أن الخلل لم يكن فى الشعوب العربية، إنما فى خيارات سيئة، بعضها فُرض على المنطقة من خارجها، وبعضها كان بسبب أخطاء فادحة ارتكبتها النخبة التى تصدت لعملية الانتقال الديمقراطى فى الداخل.

سؤال مَن سيحقق الاستقرار، الديمقراطية أم الشمولية، محسوم تقريبًا فى الأوساط الأكاديمية والبحثية لصالح الديمقراطية، لكن صانع القرار لا تهمه كثيرًا نظريات العلوم السياسية فى النظم السياسية، إنما يهمه ما يراه وما يصله من تقارير وتقديرات، وهى حتى لو شكّكت فى أن الشمولية ستجلب استقرارًا حقيقيًّا، إلا أن المهم ما تراه العين فى الوقت الحالى.

نقلاً عن المصري اليوم

حول الموقع

سام برس