بقلم/ د.ابراهيم الكبسي
أعلنت الصين عام ٢٠١٣م عن مشروعها التجاري العملاق (حزام واحد طريق واحد) والذي يتوقع أن يدر أرباحا سنوية تقدر ب ٧٠٠ مليار دولار كتقدير أولي قابل للزيادة أضعافاً مضاعفة.

هذا المشروع عبارة عن فكرة صينية لإحياء طريق الحرير التجاري القديم، ولكنه سيكون أوسع من خلال بناء حزام بحري جديد وسكك قطارات برية فائقة السرعة، وهو مشروع تجاري عملاق تموله الصين بالشراكة مع ٦٨ دولة، ويتضمن شراكة تجارية صينية مع كل هذه الدول لتصدير البضائع من الصين إليها بأقل كلفة مقابل استيراد بضائع أخرى وعلى رأسها النفط والغاز والذي تحتاجهما المصانع العملاقة في الصين، لذلك سيتضمن المشروع بناء خطوط للنفط والغاز.

اليمن كانت أحد أهم الدول المراد أن تكون ضمن هذا المشروع العملاق والضخم من خلال امتلاكها لسواحل وموانىء وجزر استراتيجية تقع جميعها على خط الحرير البحري بل والخط البري من خلال بناء جسر يربط القارة الآسيوية بالقارة الأفريقية عبر مضيق باب المندب، عندها كانت ستصبح اليمن نقطة محورية وجوهرية في هذا المشروع التجاري العالمي العملاق والضخم.

ولكم أن تتخيلوا المليارات التي كانت ستكسبها اليمن وفرص العمل الكبيرة والذي كان المشروع سوف يوفرها لآلاف اليمنيين اضافة لوعود صينية بتشييد بنية تحتية متكاملة لليمن مقابل شحنات النفط والغاز وكذلك بناء أكبر منطقة تجارية حرة في المنطقة كان مقرر لها أن تكون في سواحل باب المندب.

ما إن طرح هذا المشروع وما سيكسبه اليمن منه، حتى بدأت خيوط المؤامرات تحاط ضد بلادنا وبدأ الصراع بين القوى العظمى على من يسيطر على هذه السواحل والموانىء وكذلك جزر اليمن وخاصة جزيرة سقطرى لما تمثله من موقع مثالي لبناء محطة حاويات ضخمة وقاعدة عسكرية لحماية القوافل التجارية البحرية.

الصراع الأولي كان بين الصين وأمريكا، ثم تحركت تبعاً لذلك دول اقليمية كالإمارات بإعتبارها الخاسر الأكبر من تحويل موانىء اليمن إلى أكبر محطة حاويات في المنطقة بل وأكبر منطقة تجارة حرة بين آسيا وأفريقيا، وهذا يعني تحويل موانىء الإمارات وخاصة دبي إلى مقبرة بحرية مقفرة وسقوط أسطورة موانىء دبي التجارية، لذلك سعت إلى السيطرة على مناطق باب المندب وعدن وجزيرة سقطرى.

كذلك السعودية كانت أحدى الدول الطامعة في نصيب وفير لها من السواحل الجنوبية لتصدير نفطها من خلالها عبر بحر العرب كمسار مختصر وآمن بدلاً عن المسار الطويل والغير آمن عبر الخليج ومضيق هرمز والذي يشهد توترات عسكرية دائمة مع ايران ومعرض للإغلاق في أي وقت، وبذلك ستكون السعودية شريكاً فاعلاً وهاماً ضمن هذا المشروع الضخم.

كذلك ايران كان لها اطماعاً وأحلاماً بالسيطرة على شمال اليمن ليكون لها منفذاً على البحر الأحمر وعلى مضيق باب المندب اضافة إلى رغبتها في انشاء كيان سياسي موال لها يملك قوة عسكرية لتشاغل به السعودية وكذلك دول الخليج لكي تحسن موقفها التفاوضي مع الغرب في كل صفقاتها العسكرية ولإقتصادية، وهذا كله سيتحقق لها على حساب مصالح الشعب اليمني وسلامة أراضيه وسيتم استغلال اليمن من أجل تحقيق مصالح ايران في المنطقة.

كان المطلوب وقتها هو كيف يتم سحب اليمن إلى حرب تدمر استقرارها وتحولها إلى بلد فاشل يقع تحت الوصاية الخارجية تمهيداً لتقسيمها إلى أقاليم يغلب عليها الطابع الطائفي والمذهبي والمناطقي لكي يسهل احتواءها وايجاد المبررات الكافية لتقسيمها بين السعودية وايران والإمارات من خلال دعم قيام مشروع يمن الطوائف والذي تحكمه سلطات يمنية محلية موالية لهذه الدول وتعمل على خدمة مصالحها، وإن لم يتحقق هذا الأمر فعليهم ضمان بقاء واستمرار الصراع في اليمن، ليغرق اليمن في الدمار والفوضى والحرب الأهلية وتظل سواحل اليمن تصنف كمناطق حرب غير آمنة ويسهل توظيفها لخدمة مصالح هذه الدول، وتضيع على اليمن كل هذه الثروات والفرص الإستثمارية الضخمة.

لن أخوض فيما حصل وكيف تم استدراج اليمن إلى هذه الحرب من خلال تسهيل قيام مشروع الوصاية الايرانية في شمال اليمن والمنافس للوصاية السعودية والذي وفر المبررات الكافية للتدخل العسكري الوقح فوق أرضنا وتحويل اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة لهذه الدول الإقليمية عبر وكلائها في الداخل، وكيف وصلنا إلى هذه الحال المزرية بسبب غباء وتبعية وعمالة الأطراف المتصارعة وأجنداتها الخارجية المشبوهة.

للأسف ضاعت الفرصة على اليمن وخرجت من هذا المشروع الضخم وذهبت الفرصة لدولة جيبوتي والتي إلتقطتها بذكاء وتخلصت من عقودها مع حكومة دبي عام ٢٠١٨م، وتخلصت تماماً من تبعية ميناء دوراليه لموانيء دبي، عندما قامت بتأميم ميناء دوراليه، ودعمتها الصين في كسب معركتها القانونية ضد الإمارات، وبعدها بنت الصين في جيبوتي أكبر منطقة تجارية حرة في المنطقة، وكذلك أنشأت الصين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي لحماية مصالحها التجارية، وحاليا يتم مد سكك قطارات إلى أثيوبيا، وأنابيب لنقل نفط وغاز السودان وجنوب السودان ودول أخرى كثيرة داخل القارة الأفريقية.

كذلك استفادت دولة باكستان من خلال دخولها كشريكة رئيسية مع الصين عبر ميناء جوادر والذي أيضاً سوف يضر مواني دبي ولهذا حصلت بعض التفجيرات التي استهدفت سفارة الصين في كراتشي كنوع من التهديدات من جهات متضررة من هذه الشراكة لإفشال هذا المشروع عبر باكستان ولكن دون جدوى.

اليوم أصبحت بضائع الصين تخرج من مدن الصين وتوضع في حاويات لكي تحمل على قطارات حديثة سريعة تستطيع الوصول إلى مدينة لندن في غرب أوروبا في ١٨ يوم فقط كما حصل لأول مرة عام ٢٠١٧م.

خطوط القطارات كما تلاحظون في الخريطة المرفقة تمر عبر منغوليا وروسيا وعاصمتها موسكو مرورا بكازاخستان ثم بولندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وصولاً لإنجلترا. كذلك تصل الخطوط لأسبانيا جنوب غرب أوروبا.

أيضا هناك خطوط سكك قطارات يتم العمل عليها للمرور عبر الهند وباكستان وإيران وتركيا.

اضافة لخط الحرير البحري الذي يبدأ من جنوب شرق الصين مروراً بالفلبين وماليزيا وأندونيسيا ثم سريلانكا والهند وصولاً لجيبوتي ثم عبر البحر الأحمر وقناة السويس في مصر ليصل إلى إيطاليا.

الخلاصة انظروا ماذا صنع غباء سياسيو اليمن بهذا البلد بسبب أجنداتهم الخارجية وحماقتهم وعمالتهم للخارج وعدم اكتراثهم بالوطن ولا بمصلحة المواطن اليمني.

وبينما نتقاتل فيما بيننا البين فوق الجبال والهضاب المقفرة يستمر العدو الخارجي بالسيطرة على سواحلنا وجزرنا وإن عجز عن ذلك فسوف يستمر في تمويل الحرب من بيع نفطنا وغازنا المنهوب، ويقدمها للعالم على أنها حرب أهلية بين اليمنيين وأنه لا دخل له فيها، حتى يدمر هذا الوطن ويستمر في حالة الفوضى الكاملة حتى يضمنوا بقاء اليمن خارج نطاق هذه المشاريع الضخمة، فيما يستمر أعداء اليمن في جني المكاسب والأرباح ونهب ثروات الوطن وكل هذا يحدث بمساعدة أطراف يمنية باعت نفسها للخارج.

حول الموقع

سام برس