بقلم/ مصطفى منيغ
فلسطينيو الكراسي الوثيرة حوَّلوا معانقة البنادق ، لملاحقة مَن كان لشرف أرضهم وحُرِّيتها سارق ، مكتفين بالانزواء في مقرات محفوفة بأوسع وأينع حدائق ، مغلقة أبوابها حيال أي طارق ، حَضَرَ للاستفسار عن حالة ما ظنَّها الرواد الأوائل في الكفاح واصلة لمثل التعايش مع عدوّ صهيوني عن الصواب مارق ، اسْتَوْثَرَ مِن التضييق على الحرائر كالأحرار واقفا حيال ثورتهم المجيدة كسدٍّ حديديٍّ يُشَكِّلُ أصعب عائق ، ومَن تحمَّل مسؤولية النضال لتحرير فلسطين في مسبح الملذات الرخيصة عنه غارق ، كأنَّ الأمرَ حُسِم لصالح الإسرائيلي ليلاً وخلال النهار يُسمَح للضَّجيج غير مُخَلِّفٍ لأي أثر يُذَكِّر سوى الصياح المؤقت المنقول عبر شاشات بعض كلامها غير موثَّقٍ بأصدق وثائق ، بكون الجهاد قائم لكن قلَّة الإمكانات تُبْقِي ما كان لآخر كله استفزاز وقهر وشتى الضوائق ، فعلى العرب أن يتفهموا أن تحرير فلسطين يتطلَّب نصف ما يملكون كحقيقة عن حجم الإنفاق دون عِلمٍ بها سابق ، لكن هيهات أن يُعاود السُّبات ما يٌحَتِّمُ الغفلة بعد صحوة فاق معها من فاق وبينهما الفائق .

فلسطين لن تتحرَّر بمثل ما أوصلَها إليه جماعة من الأسماء تمرَّغ أصحابها في وحل "أسلو" واستكانوا لوعود رغبت إسرائيل بمنحها إياهم ربحاً للوقت حتى تتمكّن من السيطرة سراً على عقولٍ تخضع لترجيح المهادنة المستمرّة خدمة لإقامة مجتمع صهيوني لا ولن يقبل بأي دولة مُقامة بجواره وأسمها "فلسطين" كأمر غير لائق ، لذا بدأ تكريس خطط إخلاء الأرض من أصحابها الشرعيين بكل الوسائل المُتاحة وغير المتاحة كجزء من هدف يتوسَّطه ما تعنيه الفُرقة الفلسطينية من تيسير ايجابي يؤدي إلى تضييق الخناق على الفئات مهما كانت فصائل أو منظمات أو تجمعات سكنية تتقاذفها رياح مصالح زعماء وهميين استغلوا غياب من امتلأت السجون الإسرائيلية بهم ليزدردوا ما شاؤوا من رغبات لن تزيد إسرائيل إلاَّ المضي لتنفيذ مسعاها الأخير المُجسّدِ مسح فلسطين من الخريطة مهما طال الأمد والجهد المُقدَّم من شائق .

الشتات يُنتج تَحَكُّم المُسَبِّبِ فيه حيث أراد ملأ الفراغ الحاصل عنه بقوَّة تَحْمِي بقاءه إلى أن يفرضَ الواقعُ مع مرور الزمن قراره الجائر بتملُّكِ المعني بالفاعل ما لا يستحق إن طافت على السطح جميع الحقائق .

وأيّ شَتات على الأرض والوطن الفلسطينيين أخطر من فسيفساء زعماء موزعة ما كرسوا من ميول لا خير فيه على قضيتهم الأصلية لأكثر من جهة ، فمنهم من التصقوا بحزب جنوب لبنان ومنهم من التحقوا بالسابحة في نهري دجلة والفرات الملطخين بدم الاغتيالات من أجل سيطرة لا تُغني في الألفية الثالثة عن أي شيء إلاّ المُصطنعة بلا بريق من العقائق ، ومنهم من انجرّ صوب المملكة العربية السعودية فاتحين بواسطتها جسرا أرضيا يعوّض خصاص أيام المِحن المفتعلة وبينهما ما كان للزَّرعِ وكُنَّ للنّعمان شقائق، ومنهم من التحم بإمارة قَطَر كخلفية يحتاجونها أيام الفرار متى حلَّ أمامهم ضائق، أما مصر الدولة العربية الكبرى فمدركة أن موقعها يحتم عليها التعاون المظهريّ الذكي مع مَنْ ظنَّ أنَّ العربَ في الغفلة سواسية للأسف الشديد وإن اختلفت في انتماءاتهم البطائق ، لكن مصر اجتاحت المخاطر كلها مسترجعة حقها وما يتعلَّق بقضايا تلك الجهة جعلت جل خيوطها بين يدي جهازها المخابراتي للتنسيق بما في حوزته من أسرار تلك المناطق ، واقفاً بحذر عند حد القيام بالواجب لا أكثر وهو مُكتَفي بذلك رائق، أما المملكة الأردنية الهاشمية فلم يعد أحد من هؤلاء يستطيع التجرؤ لاستعادة ما أقام الحرب الضروس التي اضطرت على إثرها الأردن الرسمية طرد جميع الفلسطينيين من داخل سيادتها الترابية وعلى رأسهم الراحل عرفات النازح هارباً ساعتها إلى الجمهورية التونسية وهكذا انتهى حلم البعض الخرافي بجعل الأردن مخولاً لاحتواء الفلسطينيين المُرحَّلين لها بقوة السلاح كوطن بديل مُعرض مستقبلاً لكوارث الحرائق .

المملكة المغربية قدمت ما لم تقدمه أية دولة عربية مهما كانت غنية وفي جميع المجالات وحتى الدبلوماسية منها محسوبة تواريخها إن لم نقل بالأيام فبالدقائق ، وحينما نسمع ما يردده البعض من تلك الزعامات "الكرطونية" مستغلين سوء التفاهم الحاصل بين الشقيقتين الجزائر والمغرب ، يتبادر ما قد يراجع نفسه هذا الأخير ، وينسحب من الملف مهما احتوى من أوراق مراحل قطعها لصالح فلسطين ، لكن العقل المغربي يفرِّق دوما بين المؤقت الطائش ، الباحث عن الغطاء المحاك بالريش ، وبين الثابت القادر على استمرار نضاله الحق حتى النهاية السعيدة المُتوَّجة بتحقيق الهدف النبيل القائم بالحسنى على التضامن المثالي والتعاون الخالي من شوائب الترفع او الغرور ، وعلى البعض استقراء ما خلَّفته المحاولات المغربية الذاهبة في محافظتها على مصالح فلسطين ووحدة شعبها (على الأقل) بدءا من استقبال الملك الراحل الحسن الثاني لشمعون بريس في مدينة أفران وإلى الآن . (يتبع)

سفير السلام العالمي

aladala@yahoo.fr

حول الموقع

سام برس