بقلم/ احمد الشاوش
المشهد اليمني اليوم صادم وأكثر غرابة بعد ان تبدلت بعد الصقور غربان .. والحقيقة المُرة التي يجب ان تقال اليوم ان الوحدة اليمنية في خطر وأن الشعب اليمني مشغول بمعيشته وأقرب الى حالة الاحتضار بعد ان تم تجويعة وافقاره وترويعه وتهجيره ، وان السيادة اليمنية في مهب الريح والجغرافيا في خبر كان والثروات والممرات الاستراتيجية في أيدي جبابرة الدول الاقليمية والدولية واليمن دخل متاهة لايمكن الخروج منها الا بتضحيات لا أول لها ولا آخر ، بعد ان تحول الكثير من السفلة والصعاليك وقطاع الطرق الى رجال دولة في عموم اليمن واللصوص والمحتالين والفاسدين الى أمنا والعملاء والمرتزقة الى أصحاب قرار والمتسولين على أبواب دول الخليج وفضلات العم سام ومخلفات بريطانيا الى أوصياء على الوحدة ودعاة للردة والانفصال.

كثيرة هي الحروب والصراعات والفتن والتضحيات والتنازلات والمحطات الاستثنائية التي مرت بها الوحدة اليمنية منذ مؤامرة الاستعمار البريطاني عام 1839 .

واتفاقية طرابلس من 26 نوفمبر 1972م إلى 28 نوفمبر 1972م، التي جمعت قيادة الشطرين ممثلة بالقاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري بالجمهورية العربية اليمنية ، وسالم ربيع علي رئيس مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية برعاية العقيد القذافي.. واتفاق القاهرة برعاية الجامعة العربية عام 1972م الذي تم بين رئيسي وزاراء اليمن الجنوبي علي ناصر والشمالي محسن العيني لانهاء التوتر ، ولقاء الجزائر في العام 1973م ، واللقاءت في مدينتي تعز والحديدة في 73م بين الارياني وسالم ربيع ، واتفاق قعطبة في العام 77م بين الرئيس الحمدي وسالم ربيع للتنسيق في مجالات الاقتصاد والتجارة لخدمة اليمن.

واتفاق الكويت في العام 1979م بين الرئيسين علي عبدالله صالح وعبدالفتاح اسماعيل ، لايقاف الحرب ، واتفاق صنعاء سنة 80م ، بين على عبدالله صالح وعلي ناصر محمد ، لازالة التوتر بين الشطرين والتهيئة للوحدة اليمنية ، واتفاق عدن الاول والثاني ، واتفاق تعز الثاني والثالث في العام 82م واتفاق صنعاء من اجل تنقل المواطنين بين البلدين بالبطاقة الشخصية في العام 1988م ، واتفاقية 30 نوفمبر عام 89م بلقاء الرئيس على عبدالله صالح والرئيس علي سالم البيض الذي وقع فيها الطرفان على كافة بنود الوحدة اليمنية ، ومن ثم اعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 رسمياً واختيار صالح رئيساً لليمن الموحد وعلي سالم البيض نائباً للرئيس ، مايدل على ان اليمنيون قادة وسياسيون وشعب لم تتحقق وحدتهم الا بعد نضال كبير ومسيرة حافلة باللقاءات الوطنية والجهد غير عادي ومخاطرة كبرى رغم محاولة القوى الاقليمية والدولية اجهاضها.

والحقيقة انه لا الاناشيد الوطنية والقصائد الغزلية وفنون الرقص اللحجي والصنعاني والبيضاني والصعدي والماربي والدان الحضرمي والبرع الهمداني وزوامل حنشان الضمى و الاحتفالات والاستعراضات والشعارات ورفع اعلام الجمهورية والوحدة اليمنية 22 مايو ، تقدم ولاتؤخر ، ولا حتى ادارة الصراع العبثي ومنشورات أرض أرض على تويتر وارض جو على الفيسبوك والقنوات الفضائية تنفع اليمنيين في ايقاف دعاة الردة والانفصال واصحاب المشاريع العبثية والاجندات المشبوهة والاصوات النشاز أو كبح تهورهم وفرملة تقدمهم الجنوني نحو قصقصة البلدة الطيبة والشعب المسحوق ، ان لم يكن هناك قائد جمعي وارادة وطنية صلبة للوقوف صفاً واحداً في استعادة الدولة اليمنية المستقلة التي يستظل تحت سقفها جميع اليمنيين ، ومواجهة مشاريع الانفصال التي لاتتماشى مع العقل والحكمة والمنطق والروابط المشتركة ومصالح الامة والعيش بسلام.

ولابد من ايجاد صوت شعبي عارم ورسائل وتصريحات واضحة للقادة والسياسيين والعلماء والمثقفين والاكاديميين والحزبيين الوطنيين والوحدويين الشرفاء لتكوين رأي عام للوقوف بشدة امام الاصوات المأزومة والمشاريع الضيقة في مواجهة مراكز القوى العابثة وقيادات الدولة المارقة في الجنوب والشمال والشرق والغرب الذين تحولوا الى خناجر مسمومة في خاصرة الوحدة اليمنية التي هي ارادة شعب وعزة وطن وكرامة أمة وغصن زيتون.

والعجيب في الامر ان من خرج الى شوارع اليمن في الربيع القطري والمخطط العبري والتآمر التركي والرقص على جثث الابرياء حاملاً مشاريع الفتنة والفوضى الخلاقة وما صاحب ذلك من دماء ودمار وصدور عارية ، للمطالبة بأسقاط الدولة والرئيس والمؤسسات وتدمير المنجزات وأغتيال القيادات وهيكلة الجيش والامن وتصفية القيادت الوطنية ونهب السلاح والموارد والثروات ، يتباكى اليوم على ثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري والوحدة اليمنية التي كانت البيت الآمن لكافة ابناء الشعب اليمني بمختلف ثقافاتهم وافكارهم ومشاربهم السياسية وجغرافيتهم.

يتباكون ليس حباً ووفاءاً وايماناً بفضل وخير الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية التي عاشوا في ظلها أحراراً وآمنين ومستقرين ومستورين الحال أو ثرياً من اكتساب المال الحلال والحرام ، وانما لدواعي الفجور السياسي مع شريكهم في الحكم السابق ، والانتقام السياسي مع "الانتقالي" الخصم الجديد اللدود المدعوم من الامارات بالمال والسلاح لتحقيق هدف فك الارتباط وفي رواية الانفصال الذي سيحول اليمن الى قنبلة موقوته قابلة للانفجار في أي لحظة.

وللاسف الشديد ان السواد الاعظم من القادة والسياسيين والحزبيين ورجال الدين والمشائخ والمثقفين والاعلاميين يدافعون عن الوحدة اليمنية في الوقت " الضائع " ، بعد ان أحرقوا الاخضر واليابس وحولوا اليمن الى مشاريع للموت مقابل مصالح شخصية ونزاعات بيزنطية ، بينما الواقع يؤكد بما لايدع مجالاً للشك ان الوحدة اليمنية في خطر ، وان الدفاع عنها أضعف من خيوط العنكبوت ، لان المُخرج الرئيسي الذي أوكل المهمة لشقاة اليمن ، قسم اليمن الى دولة في صنعاء ودولة في مارب ودولة في المخاء ودولة في عدن ودولة في حضرموت ودولة في المهرة ودولة الفنادق ، من الصعب عليهم أن يحافظوا على سيادة ووحدة اليمن بعد ان تحولت البندقية والمدفعية الى صدر كل فصيل

والمشهد المحزن والمؤلم والاكثر سخرية ان من فتح أبواب جهنم وأوصلونا الى الهاوية والانقسام والنفق المظلم اليوم يصرخون .. يتباكون .. يذرفون دموع التماسيح .. يلطمون .. يجلدون الذات .. يشتمون .. يستجدون .. يطالبون بالوحدة أو الموت من فنادق اسطنبول والقاهرة والدوحة وعمان وكندا ولندن وواشنطن وباريس ولم يحرروا خلال مسيرتهم مدينة أو شارع أو حتى يعترفوا بأخطائهم ويتخلوا عن تبعيتهم ويفتحوا صفحة جديدة مع الاخرين من اجل اليمن وحماية لانفسهم وثرواتهم.

أتصلوا بالشرق وتواصلوا بالغرب .. وترددوا على أبواب السفارات للاستفادة من خدماتهم مقابل الحصول على المال الحرام والاستقواء بالاجنبي على شعبهم حتى صارت السفارات المشبوهة بيوتهم وأوطانهم وقبلتهم اشباعاً لرغباتهم ونزواتهم وطموحاتهم الغير مشروعة وحقدهم وفجورهم ، من اجل اسقاط شخص أو مجموعة اشخاص فسقطت البلد وتقسمت الى مدن وقرى وشوارع ونقاط ومعسكرات وساحات للقتل والنهب والابتزاز ، ولم يكتفوا بذلك بل توسلوا وطالبوا بأدخال اليمن تحت البند السابع لتحقيق نزواتهم ومشاريع اسيادهم.

شغلوا وسائل الاعلام المحلية والاقليمية والدولية والفضائيات والصحف الصفراء والحمراء والجيوش الالكترونية لبث الاشاعات ونشر الاخبار الزائفة والفتنة بين ابناء المجتمع الواحد وسوقوا للتحريض وخطاب الكراهية والانفصال واليوم يتحولون الى حمائم سلام ودعاة لتثبيت الوحدة ومقاومة الانفصال في مواقع التواصل الاجتماعي..

صحيح ان الوحدة اليمنية مهددة رغم انها وحدة شعب معمدة بالدم وروابط الهوية واللغة والدين والتاريخ والجغرافيا ، لكننا اليوم نعول على الوحدويين والوطنيين والشرفاء الذين لم يتلوثوا بالمال الحرام والمشاريع المشبوهة ، فالشعب اليمني رغم المؤامرة الكبيرة على أمنه واستقراره وازدهاره الا انه لابد من معالجة اي تجاوزات او اخطاء ووقف أي احلام وردية أو استعراض بالقوة والاستقواء بالخارج لان المنطق يقول في حالة الضرورة القصوى والتوصل الى طريق مسدود فهناك دستور واستفتاء ومقاربات ايجابية يتم من خلالها طرح أي قضية تتعلق بالوحدة من عدمها بما يحترم ارادة الشعب والمحافظة على حقوق وكرامة وسلامة ابناء الشعب وتجنيب البلد الحروب الاهلية ، لان الوحدة التي اعلن عنها في 22 مايو 1990 ما جاءت الا من اجل حقن الدم اليمني والعيش بسلام لانها تعتبر يوم خالد في تاريخ اليمن والعالم .

ورغم ان تصريحات الامم المتحدة مع الوحدة اليمنية وتصريحات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي مع الوحدة اليمنية ، لكن الواقع ان الكثير من تلك الدول على الارض تدعم الانفصال وتمضي في مخطط تقسيم اليمن للسيطرة على الثروات والمواقع الاستراتيجية ، وما تصريحات السفير البريطاني لدى اليمن ، التي أكد فيها تأييد المملكة المتحدة ومجلس الأمن الدولي لمعالجة قضية"مستقبل الجنوب" كجزء من شروط ضمان تحقيق حل دائم للأزمة اليمنية والمبعوث الاممي هانس غروندبرغ ، الا واحدة من المؤامرات الخطيرة والتدخل في شؤون اليمن وسيادته.

أخيراً .. الوطن ملك جميع اليمنيين والوحدة ليست ملك جماعة اوحزب اوقرية او مؤسسة أو اسرة وانما عقد جامع مبني على قيم الاخوة والتعايش والروابط والتاريخ المشترك .. لذلك كم نحن بحاجة الى الصدق مع النفس واستحضار الضمير وثورة أخلاق .. وثورة على العملاء والمرتزقة واللصوص والفاسدين والانتهازيين وقطاع الطرق وكافة المخلفات التي ابتلى الله سبحانه وتعالى الشعب اليمني ، ان لم يكن الشعب هو الذي سعى الى أختيار وتقديس الفاسدين واللصوص نتيجة لثقافة لجهل وغياب الوعي وانعدام الضمير وسيطرة المال؟.

حول الموقع

سام برس