بقلم/ عاصم السادة
لا يعني انتشار المدارس الأهلية بهذا الشكل الكبير أن التعليم على ما يرام ، بل يكشف الهوة والاضمحلال الذي بلغ بأهم مؤسسات البلد في بناء اﻷجيال وتحصينها بالعلم والمعرفة واﻷخلاق والقيم الوطنية ، لأن ما نشهده من استراتيجيات تعليمية في معظم هكذا مدارس ينبئ بمخرجات ضعيفة وهشة تفتقر لابسط قواعد التعليم القويم ما يستحيل عليها مواصلة التعليم الجامعي العام ، ما لم يتدخل "ابن هادي" والمحسوبية والوساطات وغيرها من آليات تبادل المنفعة بين الهوامير ، وهنا تكتمل دائرة الفشل والتجهيل وتعريض وطن وشعب للهلاك فوق ما هو عليه!!

تتبنى العديد من المدارس الأهلية هدف أساسي في اجنداتها هو الاستثمار وجني المال واستقطاب كم هائل من الطلبة من خلال الترويج الإعلامي واستعراض امكانياتها الإدارية والفنية والتدريسية الخارقة التي لا وجود لها لا في اليابان ولا الصين الشعبية!

ولطالما تمتلك بضع النقود فبإمكانك فتح مدرسة أهلية في مبنى نظام شقق للايجار يفتقر للمواصفات والمعايير الفنية التي تفرضها اللوائح وقوانين التعليم العام! ما يهم في اﻷمر هو أن "ترخي يدك" للجنة المكلفة لتقييم وضع المدرسة حتى ترفع تقريرها بأنها مؤهلة ومطابقة لكل ما اشترطته اللوائح والقوانين ومعايير الجودة التعليمية.. وبدرجة ممتاز!
من أسوء ما تفرزه هذه المدارس هو عدم احترام المعلم واستقواء الطالب عليه وفرض ما يريد وتمرير اخطائه وتحمل سلوكه الرث والإساءات لأنه ينطلق من قاعدة "أدرس بزلطي"! واﻷدهى والأنكى من ذلك أن إدارة المدرسة تقف في صف الطالب/ة رغم فداحة ما يرتكبوه وتخطئ المعلم رغم صوابية ما يقوم به، وبالتالي إدارة المدارسة تنظر للطالب أهم من مكانة المدرس كونه يمثل رافد لها بالمال!

تخيلوا ، أن حالة رسوب الطلبة في المدارس الأهلية تفوق عدد من ينجحون في الامتحانات أكانت شهرية أو نصفية أو نهاية الفصل الدارسي، ومع ذلك لا تقبل إدارة المدرسة هذه النتائج على الإطلاق ﻷنها تعكس صورة سلبية عنها، وقد يسحب ولاة اﻷمر ابنائهم منها، فتنبري بوضع سؤال "تعويضي" لمن يرسبون لكي يتجاوزا حالة التعثر غير أنهم يخفقون مجددا، لكن المدرسة تصر على نجاحهم، وبالفعل ينجحون بجهود الإدارة!!

شخصيا، لم أسمع أن طالب/ة رسب في مدرسة أهلية وأعاد المرحلة الدراسية مرة أخرى! إلا إذا هناك حالات شاذة.. فهي لا حكم لها!

وهناك مشكلة تكمن في بعض ولاة أمر الطلبة ، حينما يرفع المدرس تقريره بحالة الطالب/ة، بأنه ضعيف جدا ، ومهمل ، إذ لا يؤدي واجباته ، ولا يشارك أثناء الحصة الدراسية، وسلوكه سلبي ، وراسب في الاختبارات الشهرية ، ومعظم الوقت نائم أو شارد خلال شرح الدرس ، بيد أنهم لا يتفهمون ذلك اﻷمر بل يأتون مدافعين عن ذكاء أبنائهم حتى يكادوا يمثلونهم "بانشتاين" و"الفراهيدي" و "الخوارزمي" و"ابن النفيس" و "اديسون"، ويرمون كل سلبيات إبنائهم على المدرس، ويتناسون دورهم كآباء وأمهات في متابعة ما أخذوه من دروس والزامهم على مذاكرتها وتأدية واجباتهم على أكمل وجه، فضلا عن مراقبة سلوكياتهم كونهم المنبع اﻷساسي للتربية ثم يأتي دور المدرسة في اتمامها تعليميا!!

تصدقوا، أن مدارس أهلية كبيرة في عدة محافظات تسعى بطرق غير مشروعة لرفع درجات طلبة تم اختيارهم من قبلها لأعلانهم أوائل على مستوى الجمهورية أو المحافظة أو المديريات في الشهادتين اﻷساسية والثانوية، وكل هذا بهدف أن تكسب المدرسة شهرة وتجذب اﻵباء (الأغنياء) لدفع ابنائهم وتسجيلهم لديها!

هذا ليس سوى غيض من فيض، وما خفي أعظم!

وهنا لا أريد أن اتطرق إلى التعليم الحكومي ﻷن الطعن في الميت حرام!!

وبالتالي، إذا بقي اﻷمر يسير بهذا الإتجاه، فنحن أمام أجيال مغلفة باﻷمية، ومستقبل البلاد يمضي نحو المجهول، ما لم يعاد النظر في التعليم ومناهجه وجودته وتصحيح الاختلالات العميقة التي أصابت المنظومة التعليمية خلال سنوات الحرب، وكبح جماح فكرة الاستثمار في التعليم دون التعلم، ولابد أن يعاد الاعتبار للتعليم الحكومي، وكذا المعلم وتمكينه من العصا، لممارسة دوره التربوي والتعليمي معا.

حول الموقع

سام برس