بقلم/ عبدالباري عطوان
كيف وأدَ نِتنياهو الهُدنة الهزيلة الملغومة فور إعلانها ووجّه صفعةً قويّةً مُخجلةً لبايدن؟ ولماذا نتحفّظ على بعض بُنودها؟ وكيف خرجت المُقاومة وفصائلها الرّابح الأكبر؟

بدايةً نودّ أن نُؤكّد بأنّ أيّ هدنة لوقف إطلاق النار، والغارات الجويّة، يلتزم بها الجانِب الإسرائيلي المُعتدي، تعني اعتِرافه، أيّ الجانب الإسرائيلي، بالهزيمة، مثلما تعني أيضًا، أنها قد تُخفّف مُعاناة مِليونيّ ونِصف المِليون من أبناء قِطاع غزّة يُواجهون الموت، ويعيشون في ظِل ظُروف معيشيّة صعبة حيث لا ماء، ولا كهرباء، ولا دواء، ولا غذاء، ولا وقود، ولكن الحذر مطلوب، واحتِمالات الخديعة واردة جدًّا بحُكم التّجارب السّابقة.

أعلن البيت الأبيض اليوم الخميس أن اجتِماعًا ثُلاثيًّا انعقد في الدوحة ضمّ رئيس المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة وليم بيرنز، ونظيره رئيس الموساد الإسرائيلي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس وزراء وزير خارجيّة قطر، تمخّض عن مُوافقة “إسرائيل” على تنفيذ هُدن يوميّة لأربعِ ساعات في شِمال غزّة للسّماح للسكّان بالتوجّه جنوبًا.

بنيامين نِتنياهو رئيس وزراء دولة الاحتِلال الذي سيكون أحد ابرز ضحايا حرب القِطاع حتى قبل أن تنتهي، سارع بإعلان رفضه لهذا الاتّفاق كُلّيًّا، وتمسّك بشُروطه، وأكّد أنه لن يكون هُناك أيّ وقف لإطلاق النّار في قِطاع غزّة حتّى يتم إطلاق “الرهائن الإسرائيليين”، وقال بيان صادر عن مكتبه “القتال مُستمر ولن يكون هُناك أيّ وقف لإطلاق النار دُون إطلاق سراح الرّهائن، مسموحٌ فقط بممرّات عُبور آمنة من شِمال القِطاع إلى جنوبه مثلما فعل بالأمس 50 ألفًا من سُكّان شِمال غزّة”.

بيان نِتنياهو هذا يُوجّه صفعةً قويّةً للبيت الأبيض، ورئيسه جو بايدن، الذي كان أوّل من أعلن اتّفاق الهُدن المذكورة، ويُؤكّد أنه رُغم إرساله حاملات الطّائرات، وآلاف الأطنان من الأسلحة، والذّخائر الأمريكيّة الحديثة، فإنّ نِتنياهو هو الذي يَحكُم البيت الأبيض وليس بايدن.

كان لافتًا أن هذا الاتّفاق “المسلوق” جرى التوصّل إليه، ومن ثمّ إعلانه، قبل يومٍ واحد من الخِطاب الذي من المُقرّر أن يُلقيه السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” يوم بعد غدٍ السبت، وتردّدت أنباء بأنّه سيكون مُختلفًا عن خِطابه الأخير يوم الجمعة الماضي، الذي لم يُعلن فيه الدّخول في الحرب الشّاملة تطبيقًا لوحدة السّاحات، وانتِصارًا لفصائل المُقاومة بقِيادة حركة “حماس” في مُواجهة حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في غزّة.

أمريكا وبيتها الأبيض، ربّما أرادت أن تُجهض خِطاب السيّد نصر الله الثّاني مثلما فعلت للخِطاب الأوّل عندما بعثت برسالةٍ إلى إيران عبر العِراق تُؤكّد فيها أنها أرسلت وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن إلى تل أبيب للتوصّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار في غزة، تلبية لشُروط محور المُقاومة، تجاوبًا مع الرّغبة الأمريكيّة في عدم توسيع دائرة الحرب بحيث تشمل جميع دوله وأذرعه بقِيادة إيران.

رفض هُدن الأربع ساعات المُعلنة اليوم على هزالتها، وسُوئها، من قِبَل نِتنياهو يعني الاستِمرار في ارتكاب المجازر وقتل آلاف الأطفال والنّساء (رقم الشهداء زاد عن 11 ألفًا حتّى كتابة هذه السّطور)، رغم أن الهُدن هذه تصبّ في مصلحة المُخطّط الإسرائيلي في التّهجير وتقسيم القِطاع، تمهيدًا للتّركيز على الهدف الرئيسي من العُدوان، وهو القضاء على حركة حماس وجميع فصائل المُقاومة الأُخرى، وإعادة احتِلال شِمال القِطاع على الأقل، إن لم يكن كُلّه لاحقًا.

لا نعرف كيف سيكون ردّ الرئيس بايدن على هذه الصّفعة الإسرائيليّة وربّما لن يردّ على الإطلاق ويبلع الإهانة، ولكنّنا نعرف أن المُقاومة هي التي خرجت الرّابح الأكبر، لأنّها تعاملت بحكمةٍ وذكاء مع العرض الأمريكي الذي جرى إجهاضه ووأده مُنذ الدّقائق الأولى لولادته، بإعلانها قُبوله، رغم حذرها وشُكوكه فيه، والنّوايا الحقيقيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة من ورائه.

المُقاومة ستُواصل المُقاومة، وتزيد من إنجازاتها في ميدان المعارك، حيث تُؤكّد أنباء مُستقلّة أنها باتت تملك اليد العُليا في الحرب البريّة الأهم، وتحطيم مِئات الدبّابات والعربات الإسرائيليّة المُدرّعة، وتسمين رصيدها من أعداد الأسرى والقتلى من جُنود الاحتِلال.

عندما يخرج مُواطن فِلسطيني بسيط من تحت أنقاض منزله المُدمّر مُثْخَنًا بالجِراح وفاقدًا لجميع أطفاله وأفراد عائلته ويقول بأنفة وشهامة وكبرياء “نحنُ مع المُقاومة” وأبنائي كلّهم فِداها، وفِدى فِلسطين”، فإنّ هذه المُقاومة ستنتصر وفِلسطين ستعود إلى أهلها حتمًا.. ونراها قريبةً جدًّا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس