بقلم/ عماد الدين حسين
هل أفلس النظام السياسي الأمريكي، بحيث إنه لم يعد قادراً على تقديم مرشحين جدد للرئاسة في انتخابات نوفمبر المقبل، لتقتصر كما تشير معظم التوقعات على كل من الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب؟!

هذا السؤال يتكرر كثيراً الآن في الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من دول العالم الثالث، على اعتبار أن لأمريكا دوراً مهماً تلعبه في معظم مناطق العالم، للدرجة التي دفعت بعض المعلقين للقول إن لأمريكا حدوداً سياسية مع كل دول العالم، بحكم دورها وتأثيرها ونفوذها وقوتها الشاملة.

ولكن لماذا يخشى الكثيرون من تكلس النموذج الأمريكي في الانتخابات، وهل له علاقة بالنموذج الأمريكي العام؟

ربما يكون أحد أهم الأسباب التي تدفع كثيرين للإعجاب بالنموذج الأمريكي أنه يتميز بحيوية الشباب والتجدد المستمر ويتيح فرصاً كثيرة لكل مجتهد أو حتى مغامر.

هذا النظام السياسي المتجدد هو الذي جعل شاباً من ذوي البشرة السمراء ــ باراك أوباما ــ ليصبح رئيساً لدولة يفخر مؤسسوها أنهم من ذوي البشرة البيضاء. هذا النظام قدم رموزاً ناجحة ورفعها فوق القمة في كل المجالات كانوا مهاجرين من دول وثقافات مختلفة.

ولعل أحد أكثر الأوصاف شيوعاً على أمريكا أنها «بلد الفرص»، لأنها تتيح كما يعتقد البعض فرصاً كثيرة أمام الجميع. وبالتالي فحينما يعجز النظام السياسي الأمريكي عن تقديم مرشحين جدد لانتخابات نوفمبر المقبل، ويصبح السباق قاصراً - كما تشير معظم التوقعات - على ترامب الرئيس السابق وعمره 77 عاماً، ضد الرئيس الحالي جو بايدن وسيكون عمره أثناء الانتخابات 82 عاماً.

إذا حدث ذلك، فهو إشارة سيئة للنموذج الأمريكي كما يرى الكثير من الخبراء والمراقبين، داخل أمريكا وخارجها.

السؤال المتكرر: هل يعقل أن الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي عجزا عن تقديم مرشحين بخلاف كل من ترامب وبايدن؟

صحيح أن النظام السياسي الأمريكي مختلف ومتميز، ولا يمكن لشخص الرئيس فقط أن يغيره، لأنه يتضمن توزيعاً للسلطة على أكثر من مؤسسة، خصوصاً الكونجرس بمجلسيه ووزارة الدفاع «البنتاغون» وأجهزة المخابرات والمجمع الصناعي العسكري ووسائل الإعلام ومراكز البحث والمجتمع المدني القوي، لكن شخص الرئيس بما يملكه من صلاحيات، وبحكم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، يمكن أن يؤثر سلباً أو إيجاباً، وبالتالي فإن شخص الرئيس وطبيعته وصفاته العامة وسلامته الذهنية والجسدية ليست مهمة بالنسبة للولايات المتحدة فقط، ولكن للعالم أجمع بحكم أن أمريكا لا تزال القوة الأولى عالمياً في الاقتصاد والقوة العسكرية والتقدم العلمي والتكنولوجي والفنون.

الغريب أن ما قد يحدث هذه المرة، أي ترشح مرشح سابق خسر الانتخابات، لم يتكرر إلا سبع مرات في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمرة الأخيرة كانت حينما اختار الجمهوريون ريتشارد نيكسون للترشح أمام جون كيندي وخسرها عام 1960.

لا يوجد مانع قانوني من ترشح من سبق له الخسارة أو حتى قضى فترتين في الرئاسة وعاد مجدداً بعد تقاعده، لكن المشكلة هذه المرة هي أن المراقبين يرون خطراً كبيراً في السمات الشخصية للمرشحين، بما قد يضرب النموذج الأمريكي في مقتل خصوصاً لجهة حيويته أولاً، وتأثيراته المتنوعة في أكثر من اتجاه ثانياً.

النموذج الأول وهو ترامب، جربه العالم لمدة 4 سنوات، ورغم أن صحته لا تزال معقولة مقارنة بسنه البالغ 77 عاماً، فإن بعض المراقبين يرون أنه خارج عن الإطار السياسي الأمريكي العام، سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً. هو لا يؤمن بالمؤسسية.

ترامب رفض الاعتراف بفوز بايدن، بل وحاول أنصاره اقتحام الكونجرس في أكبر ضربة وجهت إلى نموذج الديمقراطية الأمريكية، وخلق أكبر قدر من الاستقطاب في السياسة والمجتمع الأمريكي منذ عقود طويلة.

النموذج الثاني ويمثله بايدن، صارت نقطة ضعفه الأساسية هي عدم تركيزه وذاكرته الضعيفة، وصرنا نسمع كل أسبوع تقريباً هفوة تدخل في باب العجائب والغرائب، للدرجة التي دفعت منافسه وكثيرين إلى التحذير من خطورة هذا الخلل على سمعة وهيبة ومصالح أمريكا.

وربما يسأل البعض هل الجدل بشأن كبر سن المرشحين أو حتى «شيخوخة بايدن» أم أنه بشأن شيخوخة المبادئ والسياسات الأمريكية التي لم تعد تغري كثيرين؟!

شيخوخة بايدن قد تكون فعلاً مقلقة وتثير الكثير من المخاوف بشأن قدرته على التركيز واتخاذ القرارات الصحيحة، خصوصاً في ظل الأزمات التي تعتري العالم، وأمريكا جزء أساسي فيها، من أول روسيا والأزمة الأوكرانية إلى العدوان الإسرائيلي على غزة مروراً بالصراع مع الصين.

حتى هذه اللحظة فإن ترشح بايدن ليس مؤكداً مئة بالمئة، وكذلك ترامب بحكم وجود أحكام قضائية ضده في العديد من الولايات، لكن فرص ترشحهما كبيرة، وإذا حدث ذلك فأغلب الظن أن الاستقطاب الأمريكي سوف يستمر والإلهام الخاص بالنموذج الأمريكي سوف يتقلص.
المصدر:البيان

حول الموقع

سام برس