فتحي أبو النصر
ترى على ماذا تتم معاقبة الجوف بالضبط ؟تلك المحافظة الشاسعة والاستراتيجية المعزولة ذات اللغز الكبير في تجهيلها وتغييبها الممنهج . تخاصمها الدولة على نحو عجيب منذ مابعد سبتمبر 62م . والثابت أنها الجوف التي تتمنى وصول الدولة فقط . الجوف التي لا أبالغ في اعتبارها واحدة من أكثر الأسرار انغلاقاً وتعتيماً في اليمن .. المقهورة على كل المستويات ، والتي تطمع فيها عديد قوى نافذة ذات أجندات استغلالية فظيعة ومتوحشة ولا أسوأ من أنانيتها وغياب الضمير .. هناك حيث حضارة معين العظيمة المنهوشة والمكشوفة للتدمير وللسرقات كما حدث ويحدث مع آلاف من كنوز شواهدها الأثرية الخلابة غير المحمية للأسف.
منذ أزمنة غابرة كانت الخزان البشري لأشرس المقاتلين القبليين ولا تزال ، لكنها أيضاً حاضنة الإنسان الواعد والأصيل والنقي الأشد غربة وتشويهاً إعلامياً في حين يحلم بالتقدم وبإنقاذه كانسان وكمواطن منتظراً انبثاق الدولة الضامنة التي تعي مسئولياتها جيداً تجاه مواطنيها كما ينبغي للدول .. كثير متغيرات حدثت وتبدلت عديد حكومات على مدى عقود ولايزال التعامل مع الجوف كما هو الجوف المحاددة لحضرموت وللسعودية ، بينما تبعد عن العاصمة صنعاء 140 كيلو ويكاد لا يسمع بها أحد.. محافظة كاملة فيها 3 أطباء ( تصوروا)، أما مأساة التعليم فإنها فوق المتصور حيث تفتقد المدارس لأبسط إمكانيات الاستمرارية وهناك من تحولت إلى مقرات للجماعات المسلحة ،وبالمقابل لا توجد أية كلية أو فرع لأية جامعة حكومية أو أهلية أو أي معهد فني أو تقني أو زراعي .. الجوف الخصبة والمهملة التي في حال زراعتها على نحو استثماري ذكي لكفت اليمنيين جميعاً مرتين . الجوف ثالث أكبر محافظات الجمهورية وتعاني عجزاً رهيباً ولا متصوراً في تواجد الجيش والأمن بينما تزدهر فيها عمليات التهريب المتنوعة والخطيرة عبر الحدود . الجوف المبشرة بثرواتها المتنوعة المدفونة كالنفط والغاز والمعادن والمحرومة أكثر من أية محافظة أخرى ما يبعث على الحزن إضافة إلى قدر كبير من الحيرة المتأججة طبعاً . يتم التعامل معها على سبيل المثال كما يتم التعامل مع مديرية نائية في محافظة أخرى بينما تضم 12 مديرية حيوية وتنقصها ابسط مقومات الحياة الكريمة والمواطنة .. جوف المواجهات والنزاعات القبلية التي لا تهدأ. جوف التحيزات والولاءات المؤتمرية والإصلاحية والحوثية التي تحصر أبناء الجوف المتطلعين إلى واقع جديد في مثلث خياراتها وتجاذباتها المغلقة بشكل لا أقسى منه.. تحتاج الجوف إلى مضخات وحراثات وخططاً لفتح أسواق وإنجاز بنى تحتية، فضلاً عن برامج ومشاريع لإنقاذها صحياً وتعليمياً وصولاً إلى تأهيلها وإنعاشها تنموياً و سياحياً وكي تكون جاذبة لا طاردة بحسب مايتم تكريسه عنها ، وبالتأكيد لا تحتاج أبداً لمزيد بوازيك ومعدلات وأطقم للتقطعات وللثأرات أو لنهب وتخريب كنوز الآثار الخلابة التي تزخر بها .تحتاج لنوايا حقيقية من أجل البناء السياسي والثقافي والاقتصادي نحو صياغة تحولاتها ببراعة وطنية عالية الإحساس والأداء والهمة والعزيمة ،وذلك من خلال تصحيح أوضاعها التي لا أسوأ منها إدارياً ومالياً في المقام الأول من خلال قرارات موضوعية عاجلة للدفع بالسلام والانفتاح والأمن والاستقرار والشراكة المجتمعية والتطور والانعتاق من التخلف وكل المشاريع البدائية أو ماقبل الوطنية.
ترى على ماذا تتم معاقبة الجوف بالضبط ؟ذلك سؤالي وسؤال احد أبنائها النبلاء الطيبين قاله لي وهو في كامل دمعته التي لا تُرى بسهولة مغصوصاً بتمام الحرقة والأسى.

fathi_nasr@hotmail.com

حول الموقع

سام برس