بقلم/ وسيم عبدالله حليف
في ليلة الخامس والعشرين من مارس عام 2015 م شنت الرياض وتحالفها أولى غاراتها على العاصمة صنعاء ضمن عملية اسمتها (عاصفة الحزم) .. العملية التي ظلت تائهة في اليمن لمدة عشر سنوات وما زالت فيما كان مقررا لها حسب المأمول والمتوقع بل والمعلن من قبل ناطق التحالف حينها العميد السعودي احمد عسيري خلال مؤتمره الصحفي أن تنتهي وتحقق أهدافها في غضون أسابيع.
تعهد التحالف بقيادة السعودية بإعادة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي وحكومته إلى صنعاء كهدف أول للعملية العسكرية المفاجئة وانهاء ما اسماه بانقلاب (الحوثي صالح) على السلطة..وسط كثافة من الغارات الجوية انطلقت على الأرض أكثر من جبهة في أكثر من محافظة ومنطقة وجهة ودارت المواجهات واعتقد السواد الاعظم من الناس وحتى الخبراء والساسة ان المعركة محسومة لصالح التحالف دون أدنى شك بل وفي فترة لن تكون طويلة بالنظر لفارق القوة والعتاد والقوى البشرية المشاركة في هذه المعركة على الاقل.

خاضت الحركة الجديدة التي اطبقت السيطرة على صنعاء وجزء كبير من البلاد في فترة وجيزة معركة لم تكن متكافئة على الاطلاق لكنها كانت بالنسبة لها معركة مصيرية وأكون أو لا أكون وهو ما أثمر ندية ملحوظة وثباتا لافتا مع مرور الايام والأشهر والسنوات بصرف النظر عن تفاصيل كثيرة صاحبت زحفها من صعدة فعمران ثم العاصمة والمحافظات والظروف السياسية والعسكريةالتي عاشتها البلاد في تلك الفترة ومنذ ما قبلها بسنوات و التي أسهمت بشكل كبير في تحقيق حركة أنصار الله لكل تلك المكاسب وكذلك ما صاحب مواجهتها مع هذا التحالف ذاته من متغيرات وتضارب مصالح وأولويات داخل التحالف وفي الداخل اليمني والمنطقة والعالم جميعها صبت في صالح الحوثي (حاكم صنعاء الجديد) لكن كل ذلك لا يغير من حقيقة أن الحركة أثبتت جدارة غير عادية في إدارة المعركة التي انتهت بالحالة التي نراها اليوم.
السعودية التي بدت اخيرا كمنهكة من هذه الحرب اقرت عملياً بصعوبة الاستمرار فيها عبر إبرام هدنة مؤقتة لكنه طال امدها لسنوات وحتى يومنا هذا في دلالة على الرغبة السعودية في استمرار حالة من اللاسلم واللاحرب لأمرين اثنين الاول إنها لم تعد ترغب في استمرار حرب بلا نهاية والآخر انها لا ترى نفسها في مأمن بعد مما تعتبره التهديد الحوثي لأمنها لذلك كان خيار استمرار هذه الحالة هو الأنسب..

بالتوازي مع هذه الحرب خاض المجتمع أو حاول أن يخوض حربا أخرى مع الفساد وحالة اللادولة السائدة في صنعاء منذ اليوم الأول لسيطرة (المكبرين) عليها وتوغل الفساد أكثر فأكثر خصوصا في فترة الحرب لكثرة التغاضي الرسمي عن التجاوزات خلال هذه الفترة وفقاً لأولويات معروفة.

شعارات ووعود الحركة بالإصلاح بعد الوصول للسلطة وكذلك مطالباتها الحثيثة قبل أن تصل السلطة بالاهتمام بأحوال الناس وحقوقهم وأهمية رفع الظلم عنهم وحراكها الاحتجاجي تحت هذه اليافطة جميعها ذهبت أدراج الرياح.

سنوات الفساد الاولى كان العفافيش وبقايا الدولة العميقة والنظام السابق شماعة وعذر كل محسوب على أنصار الله حتى على مستوى الفرد العادي يلتقفك بالقول : هؤلاء هم العفافيش " وما الى ذلك

قد يكون للعفافيش وغيرهم نصيب من فساد السنوات الاولى من حكم حركة أنصار الله لكنهم انحسروا تماما وسريعا حتى أصبحت مسألة إلصاق تهمة الفساد بهم محط سخرية الجميع وامر لا يصدقه احد .

نفذت الشماعات واستمر الفساد ونهب المال العام ونهش المناصب وتبديد المكاسب في التوغل في كل مفاصل الدولة في صنعاء والمحافظات التابعة لها دونما توقف حتى وصل الأمر حد أن يضيق بعضهم بفساد بعض وينقسم ناشطيهم ومثقفيهم في معركة فيسبوكية تشتد وتيرتها من وقت لآخر فريقا يذود عن الفساد بذرائع مختلفة منها أن الاعداء سيستفيدون من الدوشة الإعلامية فضلا عن مجموعات الانتفاع والمصالح التي لا تقبل اي انتقادات ولا حتى نصائح توجه لصانع القرار وفريق آخر خرج عن صمته نتيجة ضخامة حجم التجاوزات وانبرى لكشف الحقائق وتسليط الضوء على الاختلالات الواضحة للعيان داخل أجهزة الدولة.

وفقا لمؤشرات عديدة وسلوكيات واضحة فإن السلطة في صنعاء لم تصل بعد إلى قناعة بأهمية التحول الفعلي والعملي من مرحلة الجماعة إلى مرحلة الدولة لذلك تجد أغلبهم يحبذون نهج (الغوجانية) في إدارة مؤسساتهم ومهامهم على النظام المؤسسي في حالة غريبة تزيد من هفواتهم وتمنح أعداءهم فرصة الاصطياد في الماء العكر والتوظيف الإعلامي لكل شيء.

الأكثر غرابة أنك ووفقا لكل التقديرات تستطيع أن تتحول وبكل بساطة وبكل المقومات اللازمة الى الحكم عبر نظام مؤسسي يعتمد القوانين واللوائح المنظمة لعمل وإدارة الدولة بالمعني الرسمي المحترم لكنك تبدو غير مستعد لذلك.

منذ أكثر من عام أعلنت القيادة العليا في صنعاء بدء ما عرف بالتغييرات الجذرية الشاملة لكنها اقتصرت حتى الآن على تغيير أسماء وتبديل أماكن وإعلان بعض الإجراءات المتعلقة بمسائل ما ولم تثمر حتى بالشكل المطلوب او وفق المعلن كما هو الحال مع الألية الاستثنائية لصرف نصف راتب لكافة موظفي الدولة التي اعلنت في صنعاء مؤخرا لتتضح الحكاية في نهاية المطاف ومن خلال المتاهة المطولة لتفاصيل هذه الآلية أن الأمر مجرد ضحك على الناس وأن نصف الراتب الشهري يقتصر على فئات محددة بينما يظل البقية وعلى رأسهم الأمن والجيش على نفس الحال السابق والصرف كل كم شهر لتستمر معاناة الناس ويستمر العبث في بلد مقطع الأوصال ومتعدد الرؤوس.
شهركم خير باذن الله

حول الموقع

سام برس