
بقلم/ الدكتور / علي أحمد الديلمي
في زمن تمرّ فيه اليمن بأصعب مراحلها وتتكاثف فيه الأزمات السياسية والإنسانية يظل هناك من يتمسكون بخيار الوطن ويواصلون العمل بصمت وعزيمة من أجل لملمة الشتات وتحقيق السلام من بين هؤلاء القلة برز الأستاذ أحمد محمد لقمان والشيخ محمد علي أبولحوم كشخصيتين وطنيتين تحملان الوعي والمسؤولية وتجمعان بين الحكمة والتوازن والرغبة الصادقة في إخراج اليمن من محنتها وقد دفعني معرفتي الشخصية بهما وتواصلي المستمر معهما إلى كتابة هذا النص إذ لمست منهما حرصًا حقيقيًا على تجاوز الانقسامات الضيقة وإصرارًا عميقًا على إنقاذ البلاد من دوامة العنف والتفكك
الأستاذ أحمد محمد لقمان من مواليد مدينة الحديدة عام 1950 ينتمي إلى المدرسة اليمنية الأصيلة التي تجمع بين الجذور المجتمعية والانفتاح الوطني تلقى تعليمه الجامعي في مصر حيث تخرّج من كلية الآداب بجامعة عين شمس في قسم الدراسات النفسية وهو ما منح مسيرته طابعًا إنسانيًا وتحليليًا جعله أكثر قدرة على فهم المجتمع اليمني والتفاعل مع همومه
تقلّد الأستاذ أحمد لقمان عدة مناصب وزارية مهمة في الدولة اليمنية بينها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الشباب والرياضة ووزارة البلديات والإسكان وفي جميع هذه المهام تميز أداؤه بالجمع بين التخطيط الواقعي والانحياز لحاجات الناس متعاملًا مع الملفات من منظور إداري وإنساني متكامل في وزارة الشباب على وجه الخصوص أولى اهتمامًا كبيرًا لتأهيل الشباب وتفعيل دورهم مؤمنًا بأن الرياضة والثقافة أدوات لبناء الدولة والمجتمع معًا
إلى جانب عمله الوزاري برز الأستاذ أحمد لقمان على المستوى الدبلوماسي العربي حيث مثّل اليمن كسفير في جمهورية مصر العربية وكان أيضًا مندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية وقد أدى دورًا مهمًا في تمثيل الموقف اليمني بفاعلية وحكمة في المحافل الإقليمية كما تولّى لاحقًا منصب الأمين العام لمنظمة العمل العربية وهو منصب عربي رفيع أدار من خلاله ملفات العمل والعدالة الاجتماعية والتكامل التنموي بين الدول العربية واستطاع أن يترك بصمات واضحة في مجالات تنمية القوى العاملة وحماية حقوق العمال
ما ميّز الاستاذ أحمد لقمان هو انفتاحه على جميع الأطياف اليمنية دون انحياز أو خصومة وقدرته على ممارسة السياسة بأسلوب هادئ يعتمد على الحوار والعقلانية ما جعله محل احترام واسع داخليًا وخارجيًا وقد تم ترشيحه في مرحلة سابقة لرئاسة الوزراء نظرًا لنزاهته وخبرته واعتداله لكن القوى السياسية المتنازعة حالت دون توليه المنصب ورغم ذلك لم ينجرّ إلى خطاب الغضب أو اليأس بل واصل مساعيه في العمل من أجل التوافق الوطني وكرّس جهده للمبادرات السياسية والإنسانية ساعيًا بكل مسؤولية إلى تقريب وجهات النظر وإعادة بناء الثقة بين اليمنيين
أما الشيخ محمد علي أبولحوم فهو من الشخصيات التي جمعت بين الإرث القبلي والحضور الوطني وتحوّلت تجربته السياسية من موقعه داخل الأحزاب إلى صوت مستقل يدعو إلى التوافق والحوار غادر اليمن في عام 1994 لأسباب سياسية ثم عاد إلى صنعاء في عام 2004 حيث التحق بالمؤتمر الشعبي العام وتولّى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية كما كان عضوًا في اللجنة العامة وهي الهيئة القيادية العليا للحزب غير أن خلافًا نشب بينه وبين قيادة المؤتمر في عام 2007 ما دفعه إلى تجميد عضويته ثم تقديم استقالته لاحقًا عام 2011 بالتزامن مع اندلاع ثورة التغيير حيث أسس مع مجموعة من القيادات السياسية حزب العدالة والبناء الذي يتولى رئاسته حتى اليوم
وقد شغل الشيخ محمد علي أبولحوم في مراحل سابقة منصبًا مهمًا في وزارة التخطيط وكان له دور محوري في عدد من المشاريع التنموية الكبرى وساهم بشكل فعّال في التفاوض مع الجهات الدولية والدول المانحة من أجل دعم اليمن اقتصاديًا استطاع أن يكون حلقة وصل بين الحكومة اليمنية والعديد من المؤسسات الدولية وترك أثرًا واضحًا في جذب المساعدات وتوجيهها نحو قطاعات حيوية منها التعليم والصحة والبنية التحتية
ما يميز الشيخ محمد أبولحوم أنه اتخذ موقف الحياد الكامل من أطراف الصراع في اليمن فلم ينخرط في حكومة الإنقاذ التابعة لأنصار الله الحوثيين كما لم يلتحق بالشرعية ودعم الرئيس عبد ربه منصور هادي ما منحه هامشًا واسعًا للحركة والمبادرة هذا الحياد لم يكن سكونًا بل كان منصة للحوار والعمل السياسي البنّاء حيث قدّم مبادرات مستقلة للحل السياسي في مناسبات متعددة أبرزها خلال جلسة نقاش أقيمت في معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأمريكية واشنطن ما يعكس مكانته الدولية ورغبته المستمرة في لعب دور يساهم في وقف الحرب وإعادة بناء الدولة اليمنية على أسس وطنية جامعة
لقد عرفته عن قرب وتابعت جهوده في العديد من المحطات الصعبة التي مرت بها البلاد ولم ألمس منه يومًا رغبة في استثمار الأزمة بل حرصًا دائمًا على تجنيب اليمن مزيدًا من الدمار شارك في مبادرات للوساطة وسعى لترميم العلاقات القبلية والاجتماعية مؤمنًا أن السلام لا يصنع فقط في غرف السياسة بل في ضمير المجتمع ووجدانه وقد ظل رغم كل ما واجهه صوتًا عقلانيًا يدعو لبناء دولة مدنية عادلة تقوم على القانون والمواطنة والمساواة
إن ما يجمع بين الاستاذ أحمد لقمان والشيخ محمد علي أبولحوم هو التزامهما الصادق بخيار الدولة ورغبتهما النابعة من قناعات شخصية بضرورة وقف الحرب وإعادة اليمن إلى مسارها الطبيعي كلاهما يملك من التوازن والرؤية ما يؤهله لأن يكون جزءًا من مشروع وطني جامع يعيد لليمن وجهها المدني ويُنهي فصول الألم المستمر ولعل ما يجعل الحديث عنهما واجبًا وضرورة في هذا التوقيت هو أن اليمن في أمسّ الحاجة إلى أمثالهم رجال يقدّمون المصلحة العامة على المصالح الذاتية ويقفون على مسافة من الصراعات حاملين على عاتقهم مسؤولية الكلمة والموقف والعمل
سفير بوزارة الخارجية