سام برس
في مساء كان يفترض أن يضيء بالفرح كان العرس يستعد لولادة ليلة من نور. نصبت الخيمة تزينت بالمصابيح وعلقت فوقها أمنيات كثيرة تنتظر ابتسامة العريس.

لكن الفرح لم يصل والعريس الذي كانوا ينتظرونه بزغاريد النساء عاد إليهم صامتا محمولًا على الأكتاف تحيط به نظرات الدهشة والوجع.
تحولت خيمة الزفاف إلى خيمة عزاء… وتحولت الأغاني إلى بكاء مكتوم يجر القلب معه إلى قاع الحزن.

وفي مكان آخر مغترب عائد بعد ست سنوات من الغياب حمل معه شوقا بحجم الوطن. في حقيبته ألعاب صغيرة ودراجة لطفل كان يوم سافر ما يزال يحبو. كان يحدث نفسه: "سأعانقهم هذه المرة دون وداع". لكن النار ابتلعته قبل أن تلمس يداه وجوههم. احترق هو والألعاب التي حملها بحب وكأن القدر شاء أن يعود كل شيء رمادًا.

شاب آخر الابن الوحيد لوالديه كان ضحكته تسند البيت وتملؤه حياة. خرج ذات صباح بابتسامة مطمئنة ووعد بالعودة القريبة. لكنه عاد إليهما جسدا بلا نبض وبقيا هما أمام النعش يتكئان على بعضهما كأنما رحيله اقتلع روحهما معًا.

وآخر كان راجعا ليدفن أمه قال لأهله: "لا تقبروها قبل أوصل أبغى أشوفها آخر مرة." لكنّ القدر سبقه فدفنوهما في يوم واحد… الأم والابن تحت تراب واحد في صمت يوجع أكثر من الصراخ.

أربعون إنسانًا... أربعون قلبا توقفوا في لحظة، كانوا جميعًا عائدين بشوق يشبه الطفولة بلهفة للقاء الأهل ودفء البيوت وسلام الطرقات. لكن الطريق لم يكن طريق عودة بل طريق رحيل جماعي رسمته أيدي الإهمال واللامبالاة.
لم يكن ذلك حادثا عابرًا كما يقال في نشرات الأخبار… بل جريمة صريحة ارتكبت على مرأى من الجميع ووقع عليها صمت المسؤولين واستهتار الشركات التي تبيع الأرواح بثمن بخس.

باصات متهالكة وسائقون يرهقهم التعب والجهل لا يملكون من السلامة سوى اسمها يقطعون مسافات طويلة بأرواح أُسلمت للقدر.

أما الجهات التي يفترض أن تراقب وتحاسب فغائبة أو لعلها اختارت الصمت كمن يخشى مواجهة الحقيقة:

أن دماء هؤلاء ليست أولى… ولن تكون الأخيرة إن استمر هذا العبث.
أربعون رحيلًا… لا يجتمع الرقم في الذاكرة إلا كطعنة.
أربعون وجعًا متشابكًا تركوا وراءهم أطفالًا ينتظرون على الأبواب وأمهات يفتشن بين الركام عن بقية رائحة.

هذه ليست حكاية موت فحسب بل حكاية وطن ينفق أبناءه في طرق بلا أمان ويدفن أحلامه على قارعة الإهمال.
رحلوا… لكن وجعهم باق في كل قلب يعرف معنى الانتظار في كل أم ترفع يديها إلى السماء تسأل:

حول الموقع

سام برس