بقلم / طارق احمد السميري
ما تمرّ به اليمن في الوقت الراهن لا يمكن اختزاله في كونه أزمة طارئة أو نتيجة ظرف سياسي عابر، بل هو حصيلة مسار طويل من الاستهداف المنهجي، تداخلت فيه العوامل الخارجية مع خيانات الداخل ، وتراكمت فيه المؤامرات حتى انفجرت في وجه الدولة والمجتمع معًا.
فالمشهد اليمني اليوم هو نتاج سنوات من التخطيط والتفكيك ، لا وليد لحظة ولا نتيجة خطأ واحد ، بل حصاد مشروع إقليمي عمل بصبر ودهاء على إضعاف اليمن ، وتقويض وحدته ، وضرب مقومات سيادته.
لقد لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا محوريًا في هذا المسار، ليس من منطلق دعم الاستقرار أو حماية الشرعية كما يُروّج، بل ضمن رؤية استراتيجية ترى في اليمن الموحّد خطرًا مستقبليًا ومنافسًا جغرافيًا واقتصاديًا لا يُستهان به.
ومن هذا المنطلق، جاء استهداف الجنوب اليمني باعتباره البوابة الأسهل لضرب وحدة البلاد، والسيطرة على الثروات والموانئ والممرات البحرية الحيوية.
إن الدعم السخي الذي قدّمته الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن يومًا بدافع الانتصار لقضية أبناء الجنوب، ولا تعبيرًا عن تعاطف مع مظلومياتهم، بل كان أداة سياسية وعسكرية لخلق كيان وظيفي يخدم مصالحها، ويعمل على تفكيك الدولة من الداخل. فالإمارات، في نظرتها إلى اليمنيين، لا تميّز بين شمالي وجنوبي؛ الجميع في ميزانها أدوات قابلة للاستخدام أو الإقصاء، وفق ما تقتضيه مصلحتها الخاصة.
وسيسجل التاريخ، دون شك، أن هذه المرحلة هي من أسوأ المراحل التي مرّت بها اليمن في تاريخها الحديث، لا من حيث حجم الدمار فقط، بل من حيث عمق الانقسام، وانهيار القيم الوطنية، وتحول بعض النخب السياسية إلى وكلاء لمشاريع خارجية. سيكتب التاريخ أسماء الذين سعوا بوعي وإصرار إلى تمزيق اليمن، وسيضعهم في أكثر صفحاته قتامة، لا بوصفهم خصومًا سياسيين، بل باعتبارهم شركاء في جريمة وطنية مكتملة الأركان.
كما لن يغفل التاريخ عن أولئك الذين فرّوا من الوطن، وارتدوا عباءة “الشرعية” زورًا، بينما كانوا في الواقع أدوات لتنفيذ أجندات خارجية، يقتاتون على الخراب، ويبررون التقسيم، ويغضّون الطرف عن انتهاك السيادة مقابل الامتيازات والولاءات. هؤلاء لم يجلبوا لليمن سوى الدم والدمار، ولم يحافظوا على وحدة الأرض، بل ساهموا، بالفعل أو بالصمت، في تقسيمها إرضاءً لأسيادهم الإقليميين.
إن أخطر ما يواجه اليمن اليوم ليس فقط التدخل الخارجي، بل قابلية بعض أبنائه للتحول إلى أدوات في هذا التدخل، والتخلي عن المشروع الوطني الجامع لصالح مشاريع ضيقة، آنية، ومهينة. ومع ذلك، فإن الشعوب لا تُهزم نهائيًا، والتاريخ لا يُكتب في لحظة ضعف واحدة. فكما سجل التاريخ أسماء الخونة، سيسجل أيضًا أسماء من صمدوا، ورفضوا التفريط بالوطن، وتمسكوا بوحدة اليمن باعتبارها شرط البقاء لا خيارًا سياسيًا.
اليمن اليوم يقف أمام مفترق طرق حاسم: إما دولة موحدة تستعيد قرارها وسيادتها، أو كيانات ممزقة تُدار من الخارج. وما بين هذين الخيارين، سيكون وعي اليمنيين، وقدرتهم على فرز العدو من الشريك، هو العامل الحاسم في كتابة الفصل القادم من تاريخ هذا البلد المنهك.
*وزير السياحة بحكومة شباب اليمن المستقل


























