بقلم/ محمود كامل الكومى
هل يشاء القدر من جديد ، وتاريخ شعبنا ، والمرحلة التي يمر بها اليوم؟!

إن يوم الثالث والعشرين من يوليو 1952 كان بداية مرحلة جديدة، ومجيدة فى تاريخ النضال المتواصل للشعب العربى فى مصر.
إن هذا الشعب فى ذلك اليوم المجيد بدأ تجربة ثورية رائدة فى جميع المجالات؛ وسط ظروف متناهية فى صعوبتها، وظلامها، وأخطارها، وتمكن هذا الشعب بصدقه الثورى، وبإرادة الثورة العنيدة فيه؛ أن يغير حياته تغييراً أساسياً وعميقاً باتجاه آماله الإنسانية الواسعة.

تمر علينا الذكرى ال 64 للحظه الثوريه التى قادها الزعيم جمال عبد الناصر فى 23 يوليو 1952 والتى أستمرت حتى وفاته فى 28 سبتمبر 1970 , والتى غدت لحظة العمر فى تاريخ النضال المصرى والعربى , بل وفى تاريخ العالم الثالث – رفعت الثوره ثالوثها المقدس فى "الحريه والأشتركيه والوحده "وصارت الحريه السياسيه جنبا الى جنب مع الحريه الأجتماعيه ففى مقابل تحقيق الأستقلال الوطنى وأزالة قواعد الأستعمار من على أرض مصر وطرد الملك الفاسد حليف الأستعمار وتطهير البلاد من الفاسدين وعملاء الأستعمار وأستقلال القرار السياسى المصرى ,صارتحديد الملكيه واِلغاء الأقطاع وتوزيع الأراضى على صغار الفلاحين والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم وتوزيع الثروه على الشعب , ورفعت الثوره شعار "من لايملك قوت يومه لايملك صوته الأنتخابى" فكانت الديمقراطيه الناصريه تدرك أن صندوق الأنتخابات هو أخر آليه لتحقيق الديمقراطيه تسبقها آليات عدة تحقق السلم والأمن الأجتماعى للفقراء والطبقه الوسطى من المجتمع أستقلالاً للأراده وحرية التعبير بعيدا عن رأس المال المستغل القادر على شراء أصوات الناخبين ممايعدم أرادتهم - وغدت خطوات نحو تحقيق الأشتراكيه بجناحيها من الكفايه فى الأنتاج والعداله فى توزيع الثروه وبنيت آلاف المصانع التى تحقق أقتصاد قوى يفرض ارادة مصر ويحرر قرارها السياسى , وأقامت قطاع عام يقود التنميه الأقتصاديه والأجتماعيه . وصارت مجانية التعليم والصحه حق للفقراء , وعلى صعيد الوحده العربيه , أتخذت خطوات وحدويه لتحرير الشعب العربى من الأستعمار , حتى تم تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسى والجنوب العربى من الاستعمار الجزائرى , وبدت قضية الشعب الفلسطينى لتحرير أرضه من الكيان الصهيونى هى الشغل الشاغل لجمال عبد الناصر التى أعتبرها صراع وجود مع العدو الصهيونى وليس صراع حدود وبدت هى العقبه التى تؤخر تحقيق الوحده العربيه ومن هذا المنطلق مد جمال عبد الناصر يد العون لكل الحركات التحرريه فى أسيا وأفريقا وأمريكا اللاتينيه , وساعدها للتخلص من الأستعمار وأقامة حكومات ثوريه تقف الى جانب العرب والشعب الفلسطينى لينال اٍسقلاله فيضحى أمل الوحده العربيه قريب المنال . ومن هنا أدرك الأستعمار والصهيونيه والرجعيه العربيه ,خطورة جمال عبد الناصر وثورته وحلمه لتحقيق القوميه العربيه , فشن الحملات الأعلاميه ودبر المؤامرات ومحاولات أغتياله التى مولتها الرجعيه العربيه "أل سعود" وأخيراً الحروب المتعاقبه على مصر والأمه العربيه .

مات "جمال عبد الناصر ومصر تمتلك آلاف المصانع التى تصدر أنتاجها الى كل دول العالم والمنطقه العربيه ,وكتائب العلماء وكل المتخصصين فى علوم الدين واللغه وكافة التخصصات يجوبون العالم العربى والأسلامى من أجل التنوير والتعليم والقضاء على الآثار السلبيه التى تركها الأستعمار فى هذه الدول .

مات جمال عبد الناصر ومصر تمتلك قطاع عام "ملك الشعب " يقود عملية التنميه الأقتصاديه والأجتماعيه ويمول الحروب التى شنت عليها , وصار الأعلام الرسمى المصرى والفن والأدب مناره تقوم بعملية تنوير ساطعه فى مصر والعالم العربى تحقق للعقل العربى نموه وشخصيته .

مات جمال عبد الناصر ومصر تقود الأمه العربيه ودول عدم الأنحياز ومنظمة الوحده الأفريقيه , وتحاصر أسرائيل فى هذه الدول التى باتت تقطع علاقتها بالكيان الصهيونى وتمنع أى تعاون بينها وبين الكيان الصهيونى.. وتقف مع الفلسطينىين من اجل أستعادة حقهم المشروع ...
مات عبد الناصر مؤمنا أن الصهيونيه والأمبرياليه والرجعيه العربيه لايبغون اِلا هدم القوميه العربيه وأقامة كيانات بديله هزيله عميله على أنقاضها تقودها أسرائيل .

أنقض العميل النائم على مصر فور وفاة عبد الناصر مدفوعا بمن هم أعداء عبد الناصر "الصهاينه والأمريكان والرجعيه العربيه "ليقضى على كل أنجازات عبد الناصر على الصعيد المصرى والعربى بل والأنسانى بتمويل من قوى الرجعيه العربيه المتمثله فى آل سعود والملك حسين والملك الحسن", فضرب "السادات أول معول فى هدم المصانع والقطاع العام المملوكين للشعب لتخريبهم ومن ثم أعطاء المبرر لهدمهم وتحقيق آمال الرأسماليه الأمبرياليه المحليه والعربيه والعالميه فى السيطره على مصر وأقتصادها وثرواتها .. وشنت الحملات الأعلاميه المموله صهيونيا وسعوديا لهدم رمزية جمال عبد الناصر وتشويه ثورة يوليو ,حتى حانت لحظة العار فى تاريخ مصر , حين هبطت طائرة السادات فى مطار اللد بتل أبيب لتقضى على ماتحقق من ثالوث ثورة 23 يوليو الناصريه فى الحرية والأشتركية والوحده .

وتعاقب الحكام على مصر يكبلونها بمزيد من القيود ويأسرون شعبها فى اللهث وراء مافيا رأس المال من الأمبرياليين , وصارت بعض النخب تساير الواقع وتساهم فى تعميق الذل المعيشى لشعب مصر .. وبدى أن كل شىء قابل للبيع الأرض " صنافير وتيران " والأشقاء والمناضلين والمقاومين أستبدلوا بالأعداء من الصهاينه فى تل أبيب ورفقاء النضال فى سوريا فُرِضُوا أعداء بأوامر سعوديه المحكومه بالرجعيه لتصير أنيس الحكومه المصريه , وعاد رأس المال الأمبريالى يتحكم فى القرار المصرى وفى حرية الشعب المصرى وفى البرلمان المصرى , وعاد رأس المال من جديد يسيطر على الحكم .

أن الناصريه قد حددت طبيعة أعدائها الذين يبغون وأد ثالوثها المقدس فى الحريه ( السياسيه والأحتماعيه) والأشتركيه أو العداله الأجتماعيه"" (بجناحيها من الكفاية والعدل) ووحدة كل الأمة العربية.. وعلى ذلك فالناصرى القومى هومن يؤمن بهذا الثالوث ويناضل من أجل تفعيله وتحقيقه , أما الذين يتماهون مع الواقع الذى يبغى الأعتداء على مكاسب ثورة يوليو والقضاء على أهدافها فى الحرية والأشتراكية والوحدة مدعين الناصريه وأن ذلك تحكمه تغيير اللحظه فهم واهمون ولايمتون للناصريه بصله بل هم خدام لأعداء الناصريه .

ان ميثاق العمل الوطنى قد حدد أعداء الأمه العربيه فى الأستعمار وأسرائيل والرجعيه العربيه وعلى ذلك فأن من يبررون تصرفات حكام السعوديه(الرجعيين)ودول مجلس التعاون الخليجى فى تدمير ليبيا والعراق واليمن وسوريا والترويج لأحقيتها بأرض مصريه والتماهى مع ماترمى اليه من أبدال العدو الصهيونى بعدو أيرانى , قد وضعوا أنفسهم فى مصاف الأعداء الذين حددهم ميثاق العمل الوطنى كوثيقه من وثائق ثورة يوليو , ولو أدعوا بناصريتهم .

وعجباً لهؤلاء الذين يرون فى أتفاقيات الخزى والعار مع أسرائيل أمر واقع قد فرض علينا ويجب التعامل معه ومازلوا يدعون قوميتهم وناصريتهم ويتناسون أن فى ذلك ضرب للأهداف الناصرية وأقتلاع لجذورها الراسخه فى نفوس الشعب العربى وقواه القومية والثورية التى تخوض مخاضا عسيرا من أجل التمسك بقيم ثورة يوليو الناصريه وأهدافها فى الحرية والأشتراكية والوحدة وبنقاء زعيمها جمال عبد الناصر المركوز فعله الثورى فى قلوب جماهير شعبنا العربي من المحيط الى الخليج,حتى تعود من جديد لتقضى على أعداء ثورة يوليو الناصريه " الأستعمار وأسرائيل والرجعيه العربيه .
فى ذكرى ثورته نستلهم رؤيته الأستراتيجيه فى كتابه "فلسفة الثوره"لعل يدركها الآن كل الناصريون والقوميون الشرفاء وجماهير شعبنا العربى من المحيط الى الخليج .
قال الزعيم الخالد :
ولقد أدركت منذ البداية أن نجاحنا يتوقف على إدراكنا الكامل لطبيعة الظروف التي نعيش فيها من تاريخ وطننا ، فإننا لم نكن نستطيع أن نغير هذه الظروف بجرة قلم ، وكذلك لم نكن نستطيع أن نؤخر عقارب الساعة أو نقدمها ونتحكم في الزمن ....وكذلك لم يكن في استطاعتنا أن نقوم على طريق التاريخ بمهمة جندي المرور فنوقف مرور ثورة حتى تمر ثورة أخرى ، ونحول بذلك دون وقوع حادث اصطدام ، و إنما كان الشيء الوحيد الذي نستطيعه هو أن نتصرف بقدر الإمكان وننجو من أن يطحننا شقا الرحى
وكان لابد أن نسير في طريق الثورتين معاً .
ويوم سرنا في طريق الثورة السياسية فخلعنا فاروقا عن عرشه سرنا خطوة مماثلة في طريق الثورة الاجتماعية فقررننا تحديد الملكية .

ومازلت أعتقد حتى اليوم انه ينبغي أن تظل ثورة 23 يوليو محتفظة بقدرتها على الحركة السريعة و المبادأة ، لكي تستطيع أن تحقق معجزة السير في ثورتين في وقت واحد ، و مهما يبدو في بعض الأحيان من التناقض في تصرفاتنا.
وحين جاءني واحد من أصدقائي يقول لي :
"أنت تطالب بالاتحاد لمواجهة الإنجليز . وأنت في نفس الوقت تسمح لمحاكم الغدر أن تستمر في عملها.. ".... استمعت إليه ، وكانت في خيالي أزمتنا الكبيرة ، أزمة شقي الرحى
أزمة تقتضينا أن نتحد صفاً واحداً وننسى الماضي .
وثورة تفرض علينا أن نعيد الهيبة الضائعة لقيم الأخلاق ولا ننسى الماضي !.
ولم أقل لهذا الصديق : إن منفذنا الوحيد إلى النجاة ، أن نحتفظ – كما قلت – بسرعة الحركة و المبادأة ، وبالقدر على أن نسير في طريقين في وقت واحد .
ولم أشأ أنا ذلك ، ولا شاءه كل الذين شاركوا في 23 يوليو .
ولكن القدر شاء ، وتاريخ شعبنا ، والمرحلة التي يمر بها اليوم .
بقلم .. جمال عبد الناصر
...............
كاتب ومحامى – مصرى

حول الموقع

سام برس