بقلم/ طه العامري
لا يزل الشعب اليمني يجتر مآسي التاريخ ولا تزل ربما واستغفر الله العظيم نقمة الله التي سلط الله بها ( سيل العرم ) على أجداد هذا الشعب تتواصل وتتجدد وبصور مختلفة في كل مرحلة من مراحل التاريخ اليمني ..!!

إذ كان أجداد هذا الشعب في نعمة من الله ورخاء ففسدو وافسقوا وقالو ( ربنا باعد بين اسفارنا فظلموا أنفسهم فمزقناهم شر ممزق ) هكذا قال سبحانه في أجدادنا الأولين الذين اتبعوا الشيطان إلا قليلا منهم أمنوا والقليل هولاء كما يبدوا هم من رحلوا من هذه الأرض هاربين بدينهم وإيمانهم واستوطنوا أراضي أخرى بعيدة وظل العصاة يتصارعون فيما بينهم من تلك المرحلة وحتى اليوم ..؟!

إذا تجاوزنا الماضي البعيد وتوقفنا أمام الماضي القريب ، فقد كنا نعيش في كنف نظامين هما النظام الإمامي والنظام الاستعماري فثرنا ضدهما بحثا عن حياة أفضل وأكثر عدلا ، غير إننا لم نراعي ما أنجزه ثوار سبتمبر وأكتوبر فتنكرنا لهم وغدرنا بهم فسحلنا ثوار سبتمبر وقتلنا ثوار اكتوبر وشردنا بعظهم وسفهنا البعض الآخر ، فسلط الله علينا من لا يخافنا ولا يرحمنا ، وهكذا تاهت الثورة اليمنية باهدافها الاجتماعية وتبخرت احلام الشعب بالعدالة والمساواة والعيش الكريم ، وبعد الإمام وجدنا أنفسنا نواجه ألف إمام وبعد المستعمر الغازي وجدنا أنفسنا أمام ( المستعمر الوطني ) الذي مارس من السلوكيات ولايزال ما لم يمارسه ( المستعمر الغازي ) الذي ما جرى يوما على نزع جنسية مواطن يمني أو قتله بتهمة الخيانة الوطنية ولكن أبناء جلدتنا فعلوها دون أن يرف لهم رمش ..؟!!

صراعات تتواصل على الخارطة وأزمات تتلاحق ونزاعات تتفجر هناء وهناك وتتعدد أطرافها وأسبابها ودوافعها ولكن كلها ناتجة عن غياب الدولة والسلطة العادلة والهوية الجامعة .

يخيم الفاسدين ويستشري فسادهم وثقافتهم ويعاني الناس من هذا ، فتشهد المنطقة المحيطة تداعيات فنهرول بدورنا لمجاراتها بحثا عن خلاص مما نحن فيه من قهر وظيم وظلم ، ولكن نجد أنفسنا نستبدل الاعلى بالادنى والسيئ بالاسواء والضوء الخافت نستبدله بالعتمه أو بالظلام الدامس ..؟!

يا الاهي ماذا يجري لنا ؟ ولماذا نعاقب بما فعل السفهاء منا ؟!

كيف سعينا لاستبدال النظام الهش وإصلاحه فوجدنا أنفسنا بلا نظام وفي ظل فوضى عارمة ؟ سعينا لتطوير مؤسسات الدولة ، فوجدنا أنفسنا بلاء دولة وبلاء مؤسسات وصرنا في وطن ( كلمن أيدو له ) ؟ بل حتى ( الوطن ) كمصطلح لم يعود كذلك بل صار ( الوطن ) أوطان ؟!!

ثرنا وباركنا وتفائلنا بثورة إسقاط الجرعة ، فوجدنا أنفسنا نتجرع جرع لم يسبق لها مثيل ..؟!

رفعنا شعار الاستقلال والكرامة ، فوجدنا أنفسنا أمام عدوان يسعى لمصادرة كل عوامل الحياة مناء ..؟!

كنا نشكي من بطالة وأزمة اقتصادية وفقراء محدودين وخشينا من تكاثرهم فثار الشعب ، ولكن بدل الخمسة مليون فقير صرنا خمسة وعشرين مليون فقراء وجياع وبلا خدمات ..؟

كنا نشكو انقطاع التيار لبضعة ساعات في اليوم ، اليوم ولله الحمد لنا خمس سنوات بلاء كهرباء ولم نعد نعرف هذه الخدمة اصلا فقد تعودنا على غيابها وغياب مشاريع المياه والمجاري والصرف الصحي والعلاج المجاني والتعليم المجاني والدولة وأجهزتها لم يعود هناء شيء ، غير حكايات الأمراض الوبائية المنتشرة واخبار الموت الذي يخيم على سماء البلاد ، البلاد التي طرقها مقطعة ومدنها مشطرة واحيائها مقالب قمامة ونفايات وسكانها مشردين قسريا داخل وخارج الأرض التي تسمى وطن ..؟!

مأذننا تصدح بتكبيراتها خمس مرات في اليوم ، يهرول الناس إليها تلبية للندا ولكن ..ولكن الصلاة التي لا تنهي عن الفحشاء والمنكر لا جدوى منها ، الصلاة التي لا تعزز قيم المحبة والتعايش والتألف ليست صلاة ، بل هي النفاق بأبشع صوره ، والدين الذي لا يكرس قيم السلام والمحبة والعدل الاجتماعي لا علاقة لله به ولا ينتمي لدين الله دين الرحمة والمحبة والتسامح والعدل ، دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأين الأمرين بالمعروف هناء ؟ وأين الناهيين عن المنكر ؟!!

مؤلم ما نعيشه ، ولكن الاكثر إيلاما منه مبرراته ودوافعه التي نسمعها من هناء وهناك ؟!!
وحسبي الله ونعم الوكيل ..

صنعاء في لحظة من لحظات القهر

حول الموقع

سام برس