بقلم/الدكتور/ علي أحمد الديلمي
هل تظل هدنة وقف الحرب في اليمن عملية خاضعة للتوجهات الدولية في التعامل مع وضع اليمن لا شك أن الاحداث الدولية تتشابك مع مايحدث في اليمن بطرق مختلفة ولكن مايهمنا هو طبيعة الضغوط الاقليمية والدولية من أجل استمرار الهدنة في اليمن.

هناك مساعي أممية وأوروبية أعقبت التحركات الأميركية والإقليمية للضغط على الاطراف المنخرطة في حرب اليمن لتنفيذ بنود الهدنة الأممية والتوجه نحو تمديد الهدنة وإحلال السلام في اليمن ولكن
يبدو أن لا خيار واضح الان أمام اليمنين الا التعايش مع طبيعة السياسات والمصالح الاقليمية والدولية التي تتحكم في مسار الاحداث في اليمن .

وما يهمنا اليوم هو تبدل المواقف في هذا الشأن وفتح المجال لكثير من التوقعات المختلفة فعلي سبيل المثال عقد المتحدث الرسمي للبنتاغون (بات رايدر) مؤتمراً صحفياً طالب فيه جميع الأطراف في اليمن بتلافي تصعيد عسكري في إشارة إلى اقتراب الرد من صنعاء.

وألمح المسؤول الأمريكي إلى نية بلاده اتخاذ موقف الحياد عبر الحديث عن عدم وجود خطط أمريكية لدعم السعودية والإمارات.

وتأتي تصريحات المسؤول الأمريكي عشية ترقب عودة الهجمات الجوية إلى المشهد من جديد مع رفض التحالف بقيادة السعودية صرف مرتبات موظفي الدولة وإعلان وزير الدفاع في صنعاء اللواء محمد العاطفي عن دخول الخيارات الاستراتيجية كأحد الادوات التي سيتم وضعها موضع التنفيذ .

هل يمكن القول اليوم ان التغير في المواقف من حرب اليمن يمكن ان يؤدي الى عودة التصعيد العسكري في اليمن والمنطقة  في ظل اتساع رقعة الخلافات الامريكية السعودية بعد قرار الأخيرة الانضمام لروسيا في خفض انتاج النفط ما مثل ضربة للإدارة الامريكية التي كانت تترقب رفع الإنتاج لخفض أسعار الوقود قبيل جولة الانتخابات الامريكية المقبلة.

وتتضح طبيعة الضغوط الامريكية على السعودية أيضا من خلال ما طالب به مشرعين أمريكيين في وقت سابق بوقف مبيعات الأسلحة للسعودية والامارات وطالبوا السعودية مطالبة بوتن بحماية نظامها.

كما أن تصريحات البيت الأبيض الأخيرة بأن تحالف أوبك ينحاز إلى روسيا في ظل رغبته في استمرار أسعار النفط منخفضة لحرمان موسكو من عائدات نفط مرتفعه لتجريد الجيش الروسي من التمويل وتضييق الخناق على موسكو وبالتالي فإن كل هذه العوامل تجعل الإدارة الأمريكية تنظر إلى التعاون السعودي المستمر مع موسكو هو مصدر توتر بين الرياض والبيت الأبيض خاصة أن الإدارة الامريكية ضغطت بكل قوتها لزياده إنتاج النفط في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي إلى السعودية ولكن لم تؤت ثمارها وهو ما يثير غضب الإدارة الأمريكية من قرار أوبك .

من حيث الواقع شهدت العلاقات الأمريكية السعودية على امتداد العقود الستة الماضية حالات تقارب وتباعد وفق رؤية الطرفين لمصالحهما القومية واعتماداً على الظروف السائدة في البيئتين الإقليمية والدولية كما إن تجسيد العلاقات الأمريكية السعودية في صيغة معادلة النفط مقابل الأمن هي صورة فائقة التبسيط لتفسير حيثيات العلاقة بين واشنطن والرياض والتي بنيت طوال العقود السبعة فالنفط وحده لا يمكن أن يفسر السبب الذي أدى إلى صياغة هذه الشراكة فكثير من البلدان المصدرة للنفط لا تتمتع بعلاقات متميزة كالتي تتميز بها العلاقات الأمريكية السعودية وبخلاف الاعتقاد الشائع لم تكن العلاقات بين الرياض وواشنطن في حاله وئام أو وفاق دائم بل شهدت حالات من التوتر الشديد في منعطفات سياسية كان أبرزها الحظر النفطي العربي عام 1973 وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 .

وعلى الرغم من الهزات التي تعرض لها التحالف السعودي الامريكي فإنه ظل متماسكا إلا أنه مع بداية عام 2011 ظهرت الخلافات الأمريكية السعودية على السطح مجدداً نتيجة اختلاف قراءة الطرفين للأحداث والتغيرات الإقليمية المتلاحقة ومن أبرز هذه القضايا الإقليمية موجات الحراك الاحتجاجي الشعبي والتي عرفت بـ ثورات الربيع العربي منذ نهاية عام 2010 وبداية عام 2011والتي ولدت مجموعة من التحديات كان على دول المنطقة مواجهتها وإيجاد مقاربات على مستوي سياستها الخارجية من أجل التعامل معها وكانت المملكة العربية السعودية في مقدمتها بحكم أن تداعياتها أصبحت تنعكس على أمنها القومي والاستقرار الإقليمي من ناحية أخرى أثرت هذه التحولات الجيوسياسية على العلاقات الأمريكية السعودية وتعاملهما مع التغيرات الإقليمية في كل من (البحرين واليمن ومصر وسوريا)

من هنا يمكن القول انه لا يمكن أن يكون هناك رد فعل أمريكي تجاه السعودية في الوقت القريب خاصة أن العالم لا يحتاج مزيد من الإضطرابات في العلاقات الدولية في ظل أن النظام الدولي الذي أصبح مهددا بشكل كبير إلى التغيير من عالم القطب الواحد الى عالم الثلاثية القطبية وبالتالي دخول أمريكا في صدام مباشر مع السعودية لن يكون في مصلحتها لأنه سيعجل بتسريع وتيرة سقوط النظام العالمي القائم في ظل حالة الاستقطاب الحادة بين القوي الدولية وأيضا للأهمية الاستراتيجية الكبيرة للسعودية سواء سياسيا أو اقتصاديا

كما تدرك الرياض مخاطر الانفصال التام عن واشنطن وأنه لن يصب في مصلحتها على المدى البعيد وعليه ستحاول المملكة الاستفادة من علاقتها الاقتصادية مع روسيا والصين مع الحفاظ على علاقتها الوظيفية والأمنية مع واشنطن ولكن دون الاعتماد الكلي على مظلة الحماية الأمنية الأمريكية كما أنه في ظل وجود قواعد عسكرية أمريكية في جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لن تتمكن أي قوة من إزاحة الولايات المتحدة من موقعها كفاعل عسكري مهيمن في الخليج العربي.

*سفير بوزارة الخارجية*

حول الموقع

سام برس