بقلم/ احمد الشاوش
غريبة هي الحياة بجمالها وحسنها ، وحلوها ومرها ، وقبحها وزيفها ، وصدقها وكذبها وخيرها وشرها ،، وتناقضاتها العجيبة بلاحدود .

وأغرب من ذلك الاسلوب الناعم والبريستيج العجيب والاستعراضات الخاطفة للابصار والقلوب الذي تكشفه لنا عدسات المصورين والفضائيات وعناوين الاخبار عن مشاهد وقصص وحكايات وبطولات عجائب الملوك والامراء والرؤساء العرب والسلطة والثروة .

حتى رجال الاعمال والوسط الفني والصحافة وغيرهم من كتيبة الخدم والحشم ومقاولي جلسات الانس والمنافقين والانتهازيين على حساب القيم الاخلاقية والثوابت الوطنية.
والاكثر غرابة من ذلك أن المواطن العربي اليوم يسمع ويقرأ ويشاهد حالات البذخ والاسراف وحفلات الانس والصخب والترفية في عصر العولمة والانترنت وتدفق المعلومات ، بينما آلة الدمار الاسرائيلية والامريكية والبريطانية حولت قطاع غزة بمساكنها ومساجدها ومستشفياتها وحدائقها ومدارس الانروا ومخابزها الى ركام واطلال موحشة وجثث محروقة وأيدي وأرجل مبتورة وأجسام متناثرة في أكبر عملية ابادة في التاريخ المعاصر.

كل هذه المجازرالبشعة تُرتكب في فلسطين ، والمؤتمرات العربية والاسلامية تُعقد ، والمؤامرات تلوك والملوك والامراء والرؤساء والقادة العرب والجيوش المرعبة لاتستطيع أن تطلق رصاصة أو تدخل قاروة ماء أوقطعة خبزة لانقاذ طفل وشاب من العطش أوامرأة من الموت أو حتى تهريب مخدر للعمليات لانقاذ الجرحى!.

وشاهد الحال ان كتيبة الملوك والامراء والرؤساء والنُخب الفاسدة والمرتهنة ماتزال تحت تأثير الصدمة من بسالة المقاومة وهروين السلطة ومُخدر الثروة والصراعات والبطولات الوهمية وتصفية الحسابات السياسية التي تكشف للرأي العام العربي ماوراء الاسوار والقصور من فضائح ومؤامرات ولؤم وطباع خبيثة ، فلا هي التي قامت قومة رجل واحد مع الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني اللقيط ، والنازي الامريكي ، ولا هي التي كفت عن التآمر عليه ، ولا هي التي أحترمت مواطنيها وأهتمت بشعوبها بعد ان تجردت من القيم والاخلاق والنخوة والانسانية ، وأصبح الكثير منها بلا غيرة كالخنازير.

وبدلاً من ان يقوم بعض الحكام بمسؤولياتهم الدستورية والقانونية والاخلاقية والانسانية في نثر بذور المحبة وغرس وزراعة القيم والاهتمام بالانسان والمضي في عجلة التنمية في جميع المجالات وتوفير مقومات الحياة للشعوب وتحسين معيشة المواطن وتحقيق احلامه وطموحاته واسعاده واستقراره ليكون اكثر حُباً لوطنه وانتماء لبلده وهويته ومدافعاً عن وطنه وملتفاً حول قياداته بالوفاء والاخلاص ، نجد ان "المواطن اليمني " بصورة خاصة والعربي بصورة عامة اكثر بُعداً عن نظام حكمه وقائده وهويته وأكثر سخطاً وأقل حباً لوطنه الذي أصبح فيه غريباً وفقيراً وجائعاً ومشرداً ونازحاً وبلا مرتبات ولاحقوق ولا خدمات ومظلوماً بسبب فكره وثقافته ومعتقداته وحريته وقناعاته ونقده لفساد السلطة ومراكز القوى العابثة ومعارضته وانتماءاته السياسية والايدلوجية نتيجة للاستبداد الجمهوري والطغيان الملكي والجنان الثوري.

يتساءل المواطن العربي ..كم من الملوك والامراء والرؤساء والشخصيات المرموقة تهتم بشراء واقتناء الساعات الفاخرة ذات الماركات العالمية طراز لوركس وغيرها من الساعات المرصعة بالذهب والماس ، والسيارات الفارهة والبدلات الانيقة وربطات العنق الجميلة والقصور الضخمة والفلل الرائعة والكلاب المهجنة ، من خزينة الدولة ، ودم قلب ولقمة عيش المواطن الذي يتم خلسة تحت عناوين الضرائب والجمارك والزكوات وغيرها من الاتاوت بقانون وخارج اطار القانون ناهيك عن الثروات النفطية والغازية والمعادن الثمينة والصادرات الزراعية والسمكية ، بينما المواطن يبحث عن حقوقه المشروعة التي يعبث بها السواد الاعظم من الحكام الذين حولوا كل شيء الى ملكية خاصة في ظل وجود القوة والطغيان وغياب الوعي وشيطنة الاحزاب التي تحولت الى مجرد لعبة وأضحوكه بيد الحاكم العربي الغريب الاطوار.

وما تلك الاستعراضات والمناسبات والاعياد الوطنية العجيبة والحفلات الباذخة والولائم الضخمة والاعراس المُكلفة والسهرات ومشاركة مشاهير الفنانين والفنانات والراقصات من الاقطار العربية والاجنبية والمليارات التي تنفق في اللهو التي تشبع بقايا موائدها أحياء ومدن عربية فقيرة بكاملها إلا دليل قاطع على حالة الانحراف والعبث والاسراف بالمال العام في ظل غريزة الرؤساء والملوك والامراء والمسؤولين الذين حولوا ثروات الشعوب الى أرصدة خاصة وحقوق حصرية وتركات يعبثون بها على مدار الساعة دون حسيب ولا رقيب.

وشاهد الحال أن اولئك الاباطرة والسياسيين والدبلوماسيين والفنانين يهتمون بالنظام الغذائي والمطاعم الفاخرة والمسابح العصرية والمساج والتدليك والسونا والجنس وربطات العنق والعطور الفرنسية والجزمات البريطانية والقمصان الايطالية وأقتناء أعظم الماركات من بيوت الازياء والتباهي بزراعة الشعر وصباغته وتدخين السيجار الكوبي وانفاق ملايين الدولارات من اجل الاناقة والبريستج وهوى النفس واشعار الاخرين بأنهم شخصيات فضائية نادرة جاءت من كوكب المريخ بينما الحقيقة انهم كانوا من عامة الشعب البسطاء جداً أو قطاع الطرق الذين ركبوا الموجه وخدمتهم الصدف والاقدار بعد ان صعدوا الى السلطة بالانقلابات والثورات والفتن والعمالة والدعم الاقليمي والدولي ، بمعنى انهم كانوا من أدنى طبقات الشعب ..بسطاء..اشلاح.. فقراء.. مساكين ، انستهم السلطة والثروة والبطانة الفاسدة الكثير من القيم السامية ، ورغم ذلك السقوط ، كانت ولاتزال هناك نجوم من الزعماء العرب ذاع صيتها في الآفاق ، بعد أن ضربوا أروع الامثلة في الاستقامة والمسؤولية والاخلاص والتنمية والاعمار والحفاظ على مصلحة ومعيشة المواطن والمال العام وتحقيق الازدهار.

وفي ظل غياب المسؤولية والتجرد من الضمير والغرق في الملذات وهوى النفس الامارة بالسوء يظل الفقراء والجوعى والمرضى والضعفاء والمظلومين في آخر أهتمامات وحسابات أولي الامر ، فكم من بطون جائعة لاتنام وكم من بيوت نخرها الجوع والبؤس والديون وكم من أسر وأطفال وفيتات وأيتام تشردوا وكم من مواطن يعاني من مرض القلب والفشل الكلوي ، وكم من طفل وامرأة ورجل فتك به السرطان ، يبحث عن مستشفى مجاني أو مُسعف ومُنقذ بعد الله تعالى ، بينما حكام اللحظة خارج اطار التغطية وفي ابراج عالية لايدركون ، معنى الفقر والجوع والمرض والتشرد وهجرة العقول المهانة والاوطان ومفارقة الامهات والاباء والاطفال ، في ظل التقصير وخيانتهم للامانة وعدم القيام بواجباتم الوظيفية بعد ان صعدوا من تحت انقاض الفقر وشبعوا وبطروا وأصبحوا بالخدم والحشم والمرافقين والجيوش يعيشون حياة الصخب في ظل غياب الوعي الوطني وسقوط النُخب والموت السريري للشعوب المنكوبة بالجهل وثقافة الارتزاق والنفاق والتآمر والمال الحرام.

وأعجب ما في اليمن انه عالم بذاته من المتناقضات العجيبة وهو الشعب الوحيد في أعتقادي الذي تستطيع ان تبرمجه على أي شريحة جمهورية او ملكية أو امامية ، المهم الممول ، فالحكام والمسؤولين في اليمن يدرسون اولادهم في ارقى المدارس اليمنية والامريكية والبريطانية والفرنسية والالمانية والاوربية ، بينما الطبقة المتوسطة ضاعت وتبخرت الى تحت خط الفقر بعد الفوضى الخلاقة ، لايجدون قيمة لقمة العيش ،وان وجدوها لايستطيعون ان يدفعوا رسوم تسجيل أولادهم ، وان دفعوا الرسوم لايستطيعون شراء الكتب المدرسية الحكومية التي أصبحت تُباع على قارعة الطريق وللمدارس الخاصة ويُحرم منها المواطن الفقير في جريمة شاهدة على عصر الفوضى والتجهيل والاستبداد وعدم الشعور بالمسؤولية الدستورية والقانونية والدينية والاخلاقية والانسانية.

والاسواء في تاريخ اليمن ان المسؤولين اليمنين يذهبون في فعاليات ومؤتمرات في عواصم الشرق والغرب ويستعرضون بالبدلات الانيقة والمرافقين والخدم والاموال وسهرات الانس والتقاط الصور التذكارية ويتمتعون بجمال المدن وروعة الحدائق وعظمة الطرق وعبقرية الجسور والانفاق والتنمية ووسائل التعليم العصرية وقيم التسامح والتعايش والتواضع والذوق الرفيع ويتحولون بسرعة الصوت الى مثاليين وقدوة في الالتزام بالمواعيد وخطوط السير والنظام والقوانين ولكنهم اول مايعودوا الى اليمن ويمارسون مسؤولياتهم ينسون كل ذلك الجمال والنظام والمشاريع والمنجزات العملاقة ويتناسون كل تلك الافكار التي قدموها والدراسات والمشاريع العظيمة التي كان يمكن ان تكون بارقة امل وخارطة طريق للشروع في عملية البناء والتنمية والاعمار والازدهار مثل خلق الله.

يقدمون في المؤتمرات الاقليمية والدولية رؤى وأفكار واستراتيجيات في السياسة والاقتصاد والتصنيع والتنمية ومكافحة الارهاب وتطويرالامم المتحدة وحقوق الانسان والتسامح والتعايش والتكافل والامن والاستقرار والسلام ومجرد العودة الى مطار صنعاء اوغيره من المطارات اليمنية ينسون كل تلك المُثل والمبادئ الجميلة ويفتعلون الازمات والحروب والسجون وافقار الشعب وفقاً لسياسة " جوع كلبك يتبعك".

والاغرب من ذلك ان البعض منهم عاش في دكاكين بالعاصمة صنعاء وتعز وعدن والحديدة وبيوت متواضعة جداً أو في بيوت الايجار باحثاً عن فاعل خير للبقاء على قيد الحياة والالتحاق بالدراسة والبحث عن مساعدة في شراء الملابس والكتب أو وساطة بعد تخرجه من الثانوية او الجامعة او الكليات العسكرية خلال مسيرة حياته وما ان وصل الى السلطة حتى تحول الى شخص آخر يحمل من الحقد والكراهية والشيطنة والاحتيال والنصب واللؤم والتآمر والخيانة والارتزاق واللف والدوران مالم نجده في بلاد الغرب والشرق ، إلا النادر والنادر لاحكم له.

والعجيب في الامر ان الكثير من تلك الشخصيات عندما دخلوا عالم السياسة قلبوا الوجه الثاني وجمعوا حولهم بطانة ومستشاري المنخنقة والنطيحة والمتردية ، واصبحوا بقدرة قادر زعماء ورجال اعمال وأصحاب فلل وقصور وشركات ومؤسسات وثروات من اموال الشعب ، رغم انه مازال يعاني من ثقافة الجوع وندرة القيم واثار الصدمات النفسية السابقة من الفقر والجوع وحياة البؤس التي تسيطر عليه وتدفعه للانتقام من الناس وافقارهم دون رحمة ، بدلاً من الرفق بهم وتحسين حياة الشعب ليكونوا في الصفوف الاولى للدفاع عنه في أي حالة ضعف.

أخيراً..علينا ان نتعلم من قيم الصدر الاول للاسلام وشخصية الخليفة عمر بن عبدالعزيز الذي ملاء الارض عدلاً ، ونقتدي بالرموز الوطنية الشريفة والنزيهة والاخذ بقيم التسامح والتعايش والمساواة وتحقيق العدالة والتكافل والبناء والتنمية ونظافة اليد واللسان وان نكون أكثر تواضعاً وبساطة وقدوة وأمانة ونزاهة ورحمة وأكثر اندفاعاً في محاربة الجهل والفقر والجوع والمرض والنفاق.

يكفي تلاعب ومزايدة وبيع وشراء بالقضية الفلسطينية ..يكفي تخوين وانتقام واستثمار بأطفال ونساء ورجال فلسطين .. الفلسطينيون اليوم صمدوا كالجبال رغم مجازر الابادة ودفعوا أكبر ضريبة في التاريخ حركة المقاومة الاسلامية حماس وغيرها من المقاومين الابطال أسقطوا اسطورة الجيش الذي لايقهر واعادوا للعالم انسانيته وحركوا مشاعر الشرق والغرب وعدالة القضية ، بينما قادتنا وجيوشنا وصواريخنا وطائراتنا وثرواتنا لم تستطع تدخل قارورة ماء وقطعة خبز وكبسولة علاج الى قطاع غزة.. قاتل الله الاعراب .

حول الموقع

سام برس