بقلم/ أحمد عبدالمعطى حجازى
ثلاثة شروط لا بد أن تكون حاضرة فى الوعى، ونحن نسعى فى صراعنا مع العدو الصهيونى للوصول إلى حل عادل لا يتحقق إلا بدولة حرة مستقلة تضم الفلسطينيين جميعا، أهل الضفة والقطاع واللاجئين الذين اضطروا لمغادرة وطنهم بعد أن أصبحوا مهددين بالموت على يد المستعمرين الصهيونيين :
الشرط الأول أن تظل القضية الفلسطينية حية تلفت الأنظار وتوقظ الضمائر.
والشرط الثانى أن ينهض العرب من رقدتهم التى طالت، ويستأنفوا نهضتهم التى بدأوها ولم يواصلوها، ويراجعوا أنفسهم، ويصححوا أخطاءهم.
والشرط الأخير أن يخرج العالم من لا مبالاته، ويعيد النظر فى مواقفه الموروثة وأحكامه المسبقة المنحازة، وسياساته المبنية على تعدد المعسكرات وصراع الحضارات، ويبدأ عصرا جديدا يؤسسه على الحقائق الموضوعية، والدروس الأخلاقية التى استخلصها من الأحداث والتجارب التى عاشها خلال القرون الثلاثة الماضية، وانتهت به إلى التسليم بوحدة البشر، وحقهم جميعا فى الحرية، واستعدادهم للتطور والتقدم، وحاجتهم الملحة للتواصل والتبادل والتعاون والتضامن والحوار.

هذه الشروط الثلاثة متداخلة ومتكاملة، وليس فى الأطراف المذكورة فيها ما يمكن إبعاده أو إعفاؤه من المسئولية.الفلسطينيون الذين عانوا كما عانينا الفقر والتخلف والطغيان طوال القرون الأربعة التى سقطت فيها بلادنا تحت حكم الأتراك العثمانيين لم تمكنهم ظروفهم البالغة القسوة من التصدى للمؤامرات الاستعمارية التى جمعت بين الإنجليز والفرنسيين والألمان النازيين واليهود الصهيونيين، وانتهت باستيلاء هؤلاء وهؤلاء على بلادنا، ابتداء من حملة بونابرت فى أواخر القرن الثامن عشر إلى الاحتلال الإنجليزى فى أواخر القرن التالى، إلى انعقاد المؤتمر الصهيونى الأول، إلى اتفاقية سايكس، بيكو التى أبرمت خلال الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا، وتقاسمت فيها الدولتان الاستعماريتان البلاد العربية الواقعة بين إيران والبحر الأبيض، ومنها فلسطين التى كانت من نصيب البريطانيين الذين احتلوها وأصدروا تصريحهم الذى تعهدوا فيه لليهود الصهيونيين بمساعدتهم فى إنشاء وطن قومى لهم فيها، ثم سلموها لهم فى عام 1948 ليعلنوا قيام دولتهم الصهيونية على جثث الفلسطينيين الممزقة وبيوتهم المدمرة المنهارة.
هذا التاريخ الأسود كان سلسلة من الكوارث التى لحقت بالعرب كلهم من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، لكن العذاب الذى تحمله الفلسطينيون فيه لم يتحمله شعب آخر فى هذا العصر الحديث.
وها نحن نرى فى هذه الأيام صورا رهيبة من هذا العذاب الذى يتلظى فيه أهل غزة جميعا رجالا ونساء، وأطفالا وشيوخا، ونحن جميعا مسئولون، الأتراك العثمانيون الذين فرضوا تخلفهم علينا أربعة قرون، والمستعمرون الأوروبيون الذين استغلوا تخلفنا ليغتصبوا ثرواتنا، ولم يرحلوا إلا بعد أن زرعوا فى فلسطين مستعمرة فتحوها لليهود الذين كانوا مضطهدين فى أوروبا، فضربوا عصفورين بحجر واحد:
تخلصوا من هؤلاء اليهود الذين يرفضون الاندماج فى المجتمعات الأوروبية التى عاشوا فيها ألفى عام، ويتعرضون بالتالى للاضطهاد، وجعلوهم حجر عثرة فى طريق العرب للنهوض وقلعة مدججة بالأسلحة تحرس للأوروبيين مصالحهم فى الشرق الأدنى والشرق الأقصى، متخفية وراء قناعها التوراتى، وتهددنا إذا اعترضنا بالقنبلة الذرية!.

العالم مسئول ونحن مسئولون أيضا، لأننا لم نتعلم من تجاربنا المريرة التى كانت تتكرر واحدة بعد الأخرى أسوأ فى كل مرة من المرة التى سبقتها!

وكيف لا يستقيظ العالم وهو يرى هذه الكائنات الملائكية تواجه هذا الشيطان المستطير وتكبح جماحه، وليس فى يدها إلا الحجارة التى طاوعتها ولبت نداءها؟!.

خمس سنوات متواصلة، استمرت هذه الانتفاضة التى أصبحت رمزا من رموز المقاومة الفلسطينية يجمع بين الأرض والشعب وبين البراءة والشجاعة، وينبيء بالنصر الذى سيتحقق فى المستقبل القريب، وقد بدأت هذه الانتفاضة فى عام 1987 ولم تتوقف إلا فى عام 1993 حين وقع ياسر عرفات مع الإسرائيليين اتفاقية أوسلو، وبدأت فى غزة، وانتشرت فى الضفة الغربية، ثم تكررت فى عام 2000 لتستمر خمس سنوات أخرى أيقظت العالم الذى أخذ يشارك الفلسطينيين مسيرتهم، ويرفع رايتهم كما رأينا فى هذه الأيام التى عبر فيها البشر عن تضامنهم مع الفلسطينيين كما لم يفعلوا من قبل.مظاهرات بالآلاف وعشرات الآلاف انطلقت فى إنجلترا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وبلغ عدد المتظاهرين فى واحدة منها ثلاثمائة ألف متظاهر.ومثقفون بالمئات، كتاب، وفنانون، ونجوم سينما، منهم توم كروز، وسوزان سارندون، وإيزابل أدجانى ،وكلود لولوش وهو يهودى، ونواب فى البرلمانات، وزعماء أحزاب ومسئولون فى مؤسسات ومنظمات مختلفة، أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وجان لوك ميلانشون الزعيم اليسارى الفرنسى، وجاك لانج رئيس المعهد العربى فى باريس، وهو يهودى وكان وزيرا للثقافة فى حكومة ميتران، وجوش بول مدير المكتب العسكرى فى الخارجية الأمريكية الذى استقال من منصبه احتجاجا على إرسال الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل دون مناقشة كان يجب أن تحدث.ودول سحبت سفراءها من إسرائيل، وبعضها قطع علاقته معها،وبعضها اعترف بدولة فلسطين ومن هذه الدول إسبانيا، وبلجيكا، واليونان، وإيرلندا، وبوليفيا، وأيسلندا، والسويد، وبولندا ورومانيا، والتشيك.العالم يراجع موقفه من القضية الفلسطينية، وهى مراجعة بدأت مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وعبر عنها الكاتب الصحفى الأمريكى اليهودى ريتشارد بن كرامر فى كتابه «كيف خسرت إسرائيل» وعبر عنها أورى وزولى فى كتابه «هل ستبقى إسرائيل حتى عام 2048؟» وهنا السؤال الذى يطرح نفسه على الإسرائيليين:
ما هو الموقف الذى يستطيعون أن يتخذوه إزاء هذه التطورات؟ هل يواصلون موقفهم الراهن فيصطدمون بالفلسطينيين وبالعرب وبالعالم كله؟ أم يخرجون من هذا الجيتو السياسى الذى يعزلهم عن العالم ويوقفهم منه موقف العداء، ويتخصلون من الصهيونية ويعودون يهودا كما كانوا؟!.
نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس