بقلم/ ماجي الحكيم
القدرة على التأثير فى الآخرين بشكل واسع، وجذبهم وإقناعهم برؤيتك أو بالأفكار التى تود أن تصدرها لهم، دون إكراه أو استخدام العنف والقوة المباشرة، وبمعنى آخر التأثير بطرق غير مباشرة، تلك هي "القوة الناعمة".

مصطلح القوة الناعمة، صاغه جوزييف ناي، أستاذ السياسة بجامعة هارفارد الأمريكية، فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، بأنه تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية والإقناع بدلا من الإرغام أو الإغراء المادى، وطبعا كان تركيزه ونماذجه مسلطة على السياسة الأمريكية والتى تراجعت خلال السنوات الأخيرة بسبب سياستها الخارجية.

بنظرة عامة نجد أن جميع دول العالم تستخدم قواها الناعمة بمستويات مختلفة، وإن كانت الولايات المتحدة قد تفوقت فى هذا المجال خلال القرن الماضي.

مصر كانت رائدة فى هذا المجال منذ بدء الحضارة الإنسانية وإن كانت تعرضت كثيرا لموجات من الانطفاء، فإن تاريخها العريق كان يمكنها دوما من استعادة قوة نعومتها.

للقوة الناعمة نماذج عديدة منها ما برعت فيه مصر، وأخرى تفوقت فيه دول أخرى، وهو أمر طبيعى أن تستغل كل دولة إمكانياتها فى تحقيق قوة سحرية مؤثرة.

كانت السينما المصرية على رأس تلك القوى على مدى عقود بجانب المسرح الذى بدأ فى مصر فى القرن التاسع عشر، ظلت مصر لعشرات السنوات مصدر التنوير فى المنطقة وبفارق شاسع من خلال فنونها، وثقافتها وحضارتها، ومفكريها، وعلمائها، وفنانيها، ومعلميها، الذين كانوا سفراء لها على أعلى مستوى في جميع أنحاء العالم.

البعثات الدبلوماسية (التى ينادى البعض بتحجيمها توفيرا للنفاقات)، يمكن أن تصل إلى عقول وقلوب الشعوب من خلال تنظيم فعاليات تروج لفنونها الشعبية وتراثها حتى الأطعمة المميزة لديها، معارض للوحات، وأخرى للصور التى تسجل تفاصيلها وتاريخها العظيم، كذلك المتاحف المصغرة واللقاءات الفكرية مختلفة المحتوى.

البعثات التعليمية أو تلك التي تقتصر على سفر الطلبة لاستكمال شهاداتهم خارج بلادهم لدى دول اكتسب التعليم فيها سمعة طيبة، نجحت مصر على مدى عقود فى هذا الأمر؛ حيث كانت جامعة فؤاد الأول أو القاهرة فيما بعد، وكذلك جامعة الأزهر قبلتين للطلبة من العديد من البلدان، وإن كان الأمر لم يعد كما كان..

ونفس الشيء بالنسبة للبعثات التي كانت ترسلها مصر لدول أخرى عديدة؛ سواء فى الوطن العربي أو إفريقيا للنهوض بها سياسيا وتعليميا واجتماعيا.

كذلك الإعلام المقروء الذي كان لمصر جزء لا بأس به ومن بعده الإعلام المرئي، كما لا يجب أن ننسى الاقتصاد المحلي الذي يعد أول دعاية لأي دولة، قناة السويس التي حولت أنظار العالم إلى مصر من حفرها وحتى اليوم، كما كان القطن المصري خير سفيرًا لها والذى يحتفظ حتى اليوم بسمعته الطيبة، هناك كذلك المشاريع والمنتجات التى اعتمدت عليها العديد من الدول المجاورة لعقود أخرى.

وربما كانت المقاطعة الأخيرة منذ بداية الحرب فى غزة، رسالة لنا جميعا لنكتشف أن لدينا منتجات مصرية جيدة ومتميزة يمكن الاعتماد عليها كليا، وبمجهود منظم يمكن أن تصبح العديد من تلك المنتجات جزءًا من منظومة القوة الناعمة.

لتلك القوة أوجه أخرى عديدة، يمكننا أن نستعيد بعضًا منها وأن نسعى لغيرها، فتلك الأمور رغم نعومتها فهى سلاح فى منتهى القوة.

نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس