بقلم/ احمد الشاوش
من المؤسف أن تتحول بساتين صنعاء القديمة والانيقة والرائعة الى مقالب للقمامة ومصب لمخلفات المنازل وتجمع المواد البلاستيكية وأماكن للحرق وتدمير البيئة وعلى حساب الحدائق الخضراء الجميلة والورود الزكية والازهار الزاهية والروائح المنعشة للقلوب والارواح .

ومن المؤلم أن تصبح مقاشم صنعاء الجميلة والفاتنة التي يتراوح عددها مابين أربعين الى خميسن درة ولؤلؤة وواحة خضراء الى أراض جرداء ومتصحرة وان تزحف البيوت الشاهقة والمنازل المجاورة والقصور المطلة عليها الى تلك الحدائق والمتنزهات الفريدة بألتهام اجزاء منها بقوة بعض المتنفذين والبناء عليها نتيجة لبعض الوساطات والمجاملات وحق ابن هادي "الرشوة" ، أمام أعين وبصر الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية المسؤول الاول !!؟

كما أن ذلك التغيير الفظيع والتشوية الكبير والاهمال الاكبر والسكوت يواصل مسلسل التدمير والعبث بجمال وبساتين ومقاشم المدينة التاريخية على مدار الساعة أمام بصر وزارة الاوقاف والارشاد المسؤول الثاني وامانة العاصمة واهل صنعاء الذين أصبح همهم الاول والاخير المعيشة بعد ان عصفت بهم الاحداث والازمات كبقية الشعب اليمني الذي يفكر ليل نهار في تأمين الغذاء للبقاء على قيد الحياة بينما الجهات المختصة أشبه بشاهد ماشفش حاجة ، وعاملين اذن من طين واذن من عجين ويبدو انهم مغلوبين على أمرهم!!.

صعقت خلال زيارتي اليومية الى صنعاء القديمة والتنقل من حي الى آخر ومن صرحة الى أخرى ومن زقاق الى زقاق ومن شارع الى زغط ومن بستان الى آخر ومن مقشامة الى أخرى وكم أحزنني رؤية ذلك الاهمال والعبث والفساد والدعممة والتناسي الرسمي والشعبي لتلك المدينة التاريخية الجميلة التي لم تسلم بعض مبانيها وبيوتها من الحداثة المخالفة لفنون وقالب العمارة اليمنية القديمة وبصمتها وهويتها التاريخية .

ومن المعيب ان تتحول تلك الجنان والرياض الندية والمتنزهات الفريدة والحدائق الجميلة بوردها البلدي وزهورها وخضرتها والفواكة الى أماكن خاوية على عروشها بدون زرع وشبكة مياه بعد ان كانت تُسر الناظرين ومقصداً ترفيهياً لاهالي وأطفال صنعاء والزوار والسياح والباحثين والوفودالرسمية.

ما اجمل ان تتنزه بين تلك البساتين والمقاشم والحدائق المكسية بألوان من الورد البلدي والزهور والرياحين الجميلة والخضروات المتنوعة التي كانت تُمثل سلة أهل صنعاء وتزودهم بالسلطة والنعنعة والكبزرة والكراث والفلفل والبصل والفجل والشذاب والجوز والتوت والبلس العربي وغيرها مما تجود به تلك الحدائق الرائعة والمتواضعة في الزمن الجميل.

اليوم لسان حال أهالي ومحبي وساكني صنعاء يقول أين بساتين ومتنفسات صنعاء.. أين زهور وورود صنعاء .. اين أشجار الجوز والتوت والفرسك والبلس .. أين عطور ورياحين وشذاب صنعاء والهواء النقي الذي يمثل رئة المدينة .. أين الخضروات والفواكة.. أين المساحات الشاسعة.. وبنبرة حزن والم واسئ لسان حال الناس يقول من الذي سطى على درة المدائن وحولها الى أحواش ومنازل وكتل اسمنتية مغلفة بالحجر والياجور..وأين المسؤولين من كل مايجري من عبث وأهمال !؟.

لقد كانت بساتين ومقاشم صنعاء تُسقى من مياه المساجد والامطار في الماضي واليوم بعد ان بنيت الحمامات الخاصة بالمساجد ودخل نظام الصرف الصحي أصبحت المقاشم بحاجة الى تزويدها بشبكة مياه من قبل مؤسسة المياه لاستمر الحفاظ على تلك البساتين المنتجة والجذابة.

سنظل نتذكر تلك البساتين والمقاشم الجميلة واسوارها الانيقة وروائحها الزكية وبساطها الاخضر الآسر للعيون والقلوب والمشاعر الانسانية ومن تلك الدرر الخضراء :
مقشامة الجامع الكبير .. الطاووس ..الهبل ..الزمر.. الفليحي ..داوود .. باب النهرين .. شكر ..العلمي .. الحميدي .. القاسمي ..الابهر.. موسى ..الوشلي .. الخراز.. بستان المهدي .. سمرة .. الحرقان .. الطبري شوشة .. الطواشي.. البكيرية .. الميدان .. خضير .. معاذ ..بروم .

ومايدعو الى طرح أكثر من علامة تعجب واستنكار هو لغة الصمت لمسؤولي وزارة الاوقاف وهيئة المدن التاريخية وأمانة العاصمة وتعيين قيادات جديدة تفتقد الى الكفاءة والخبرة والمسؤولية لاسيما وان الجهود التي تقوم بها متواضعة جداً أمام المتنفذين والمخالفين والوضع الاستثنائي الذي لايحتكم فيه هوامير الفساد الى القانون بينما يطبق على الانسان الضعيف الذي يكون المال هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافه السلبية المشوهة لجمال المدينة التاريخية.

أخيراً .. كم نحن بحاجة ماسة الى اعادة الاعتبار لبساتين ومقاشم ومتنزهات صنعاء ووقف العابثين ورفع المخلفات والقمامة وعمل حملة وطنية على مستوى الرئاسة والحكومة وهيئة المدن التاريخية ووزارة الاوقاف ومؤسسة المياه والصندوق الاجتماعي وأهالي صنعاء لاعادة الاعتبار لبساتين صنعاء الى جمالها ورونقها ونظارتها وروعتها وخضرتها .. للحفاظ على الموروث الحضاري الذي يعكس هوية وجمال واناقة وخضرة مدينة صنعاء التي حوت كل فن.. فهل من رجل حكيم؟ .. الامل كبير .
shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس