بقلم/ احمد الشاوش
الحديث عن الرحمة والتراحم ، والعطف والرأفة ، هي انعكاس لصفات الخالق عز وجل ، وتعكس طبيعة الانسان المتزن الذي أودع الله في قلبه وعقله تلك المُثل الرقيقة والمعاني السامية.
واذكان رمضان هو محطة حقيقية لمراجعة النفس ووخز الضمير واستشعار المسؤولية الدينية والاخلاقية والانسانية في الالتزام بالشعائر والمُثل العلياء ، فإن الرحمة والمغفرة والعتق من النار هي عناوين أساسية للفرد والاسرة والمجتمع لتجسيد قيم المحبة والتسامح والتعايش والتكافل .

مرت العشرة الايام الاولى من شهر رمضان المبارك التي تتجسد فيها معاني " الرحمة" لنستقبل غداً أيام المغفرة وبعدها العتق من النار ومن ثم عيد الفطر المبارك.

هنيئا لمن صام رمضان إيمانا واحتسابا.. وهنيئاً لمن صلى وصام وقرأ كتاب الله آنا الليل واطراف النهار طالباً المغفرة والعفو والرجاء .. وهنيئاً لمن تاب واقلع عن الذنوب والمعاصي ، ورد حقوق العباد ، وطوبى لمن أعطى ومد يد العون للفقراء والمساكين ووقف الى جانب كل من اصابته مصيبة وبلا.

ولكون الرحمة حبل من حبال الله فقد ورد ذكرها في 268 موضعًا بالقرآن الكريم وتكرَّرت "الرحمة" ومشتقَّاتُها في أكثر من 330 مرَّة لما لها من أهمية كبرى بين الخالق والمخلوق وبين العبد واسرته ومجتمعه وسائر الانسانية ، لذلك لاتُنزع الرحمة الا من شقي.

هناك مواقف انسانية ورجال خير وبرامج اعلامية عظيمة تدخل السعادة وتصنع الامل وتعيد الروح لدى بعض الاسر الفقيرة والجائعة وتدخل البسمة لدى بعض الايتام والامراض والعاجزين والغارمين والمعسرين وغيرهم الذين يبحثون عن قوت يومهم أو فاتورة علاج أو تسديد ايجار منزل أو قضاء ديون تعكس حلاوة التراحم والترابط بين المجتمع .

كما ان برنامج " تراحموا" الذي يقدمه الاعلامي المتألق عبدالملك السماوي في قناة اليمن مع حلول شهر رمضان ، وحنيته وأهدافه واختياره للاسر الفقيرة والمعدمة وحالات العجز والمرض ولمساته الانسانية بصورة صادقة وتأثرة الكبير والدموع التي نراها على قسمات وجهه خلال زيارته لتلك الاسر ماهو الا أحد عناوين الرحمة والسعادة التي نشاهدها، آملين مزيد من تلك البرامج.

لذلك فإن شهر رمضان فرصة ثمينة لصلة العبد بربه وصلة "الرحم" بزيارة وتفقد الامهات والبنات والجدات والعمات والخالات ،، الذي قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أستوصوا بالنساء خيراً " ، تلك القوارير التي تنتظر جبر الخواطر بزيارة قريب وكلمة طيبة تُدخل السعادة وتبعث الامل وتقوي الثقة وترفع المعنويات ، كما ان زيارة الاقارب والجيران والاصدقاء والمريض واجبة وحسنة وعمل على تقوية الروابط وتعيد للمجتمع الطمأنينية وللانسان انسانيته.

لقد تحدث الله سبحانه وتعالى عن الرحمة في أكثر من موضع ومنها على سبيل المثال :
قوله تعالى: "كتب ربكم على نفسه الرحمة" الأنعام:54،
"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" الزمر:53

"وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"آل عمران133.
"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ"الشورى 28.
قَالَ الله تَعَالَى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ "آل عمران92

كما ان رحمة وحنان الوالدين بالابناء تعكس رحمة الابناء بالاباء والامهات .. والعشرة والمودة والمحبة والتراحم والاحترام بين الزوج وزوجته يبني اسرة مستقرة ثابتت الاركان.

وما أجمل ان تتوسع جذور وأبواب الرحمة والايثار وجبر الخواطر الى الاقارب والجيران والفقراء والمساكين واليتامى والامراض وطلبة العلم والمعسرين والغارمين حتى تصل الى الرفق بالحيوان ، وكلما زاد الايمان بتطبيق تلك الُمثل والمبادئ السامية وتوسعت ثقافة الرحمة لنكون أمام أسرة متماسكة ومجتمع قوي وآمن ومستقر خالي من الحسد والحقد والكراهية.

لقد شاهدنا وقرأنا في بعض الدول الاوربية كيف ان بعض رجال الاعمال يتبرعون بثلث ونصف ثرواتهم لدور الرعاية الاجتماعية والمسنيين والمستشفيات والايتام والحيوانات والصحة العقلية للاطفال والسرطان وابحاث الخلايا الجذعية وبرامج الشباب والصحة الانجابية والبيئة ، وما بيل غيتس الا واحد من المتبرعين بثروته ، وكذلك جون دوير وزوجته الذين قدموا 1.1 مليار دولار لاحدى الجامعات ، كما اعلن مؤسس موقع "فيسبوك- ميتا" مارك زوكربيرغ التخلي عن 99% من ثروته البالغة نحو 45 مليار دولار لفائدة مؤسسة خيرية .

وخصص ألفريد نوبل ، مخترع الديناميت معظم ثروته لتأسيس جوائز نوبل التي تمنح سنويا لأشخاص قدموا ما يفيد للبشرية الإنسانية ..
كما تبرع الملياردير الصيني "يو بينيان" بثروته البالغة ملياري دولار للفقراء.

وقرر الأمير السعودي الوليد بن طلال، التبرع بكامل ثروته لصالح الأعمال الخيرية .. وتبرع الملياردير سليمان بن عبدالعزيز الراجحي مؤسس مصرف الراجحي التخلي عن نصف ثروته للجمعيات الخيرية.. وتبرع الملياردير الإماراتي عبد الله الغرير ، للفقراء بثلث ثروته إلى مؤسسة تعليمية.

السؤال الذي يدور في مخيلتي وكل مواطن يمني ماذا قدم رجال المال والاعمال اليمنيين في جوانب الخير مقارنة بمايحصدوة من ارباح خيالية!!؟ ومقارنة بأغنياء امريكا واوروبا؟.

يُنفق بعض رجال المال والاعمال اليمنيين في شهر رمضان الفتات من الصدقات ويلحقها بالمن والاذى والاستعراض مستخدماً وسائل الاعلام والاعلانات وينصب البعض اللوحات في الطرقات تحت عناوين رجل البر والاحسان .. رجل الخير .. جابر الخواطر .. بأكثر من مماقدمه للفقراء والمحتاجين ..

والعجيب والغريب في الامر اليوم هو حديث التجار والشارع بأن حكومة صنعاء منعت منعاً قاطعاً رجال المال والاعمال وحتى الميسورين والمغتربين وأهل الخير الذين يبعثون بالصدقات الخاصة للفقراء والمساكين من الاسر المعدمة والجيران المحتاجين توزيع أي صدقات ومعونات وزكوات مباشرة كما كانت سارية منذ عشرات السنين تفك أزمة للمتضورين جوعاً رغم أخراج الزكاة المفروضة عليهم للهيئة العامة للزكاة.

كما الزمت أولئك التجار وحتى المنظمات الانسانية بتسليم كشوفات كل من يستلم والتوجيه بعدم الصرف واخذ كل تلك الاموال بحجة القيام بصرفها ورغم ذلك لا رحموا ولا جعلوا رحمة الله تنزل على الفقراء والجياع!؟.

أخيراً .. رمضان شهر الخير والاحسان .. الناس جياااااع وكثير من الاسر اليمنية تنتظر سنة كاملة من أجل الحصول على صدقة محسن أو زكاة تاجر أو فاعل خير بعد ان توقفت المرتبات وانتشرت البطالة ورُفعت الاسعار.
نصيحة للانصار .. أعيدوا النظر في سياسة منع وتجريم وتحريم الصدقات كون السلة الغذائية التي يتحصل عليها الجائع والفقير مجرد كيس دقيق وعلبة زيت وقطمة سكر أو عشرة آلاف ريال فمن المعيب مصادرة فرحة الناس ، لاسيما بعد ان أصبح أصحاب الخير من التجار يحاولون مد يد الخير والعون وجبر الخواطر في الخفاء للفقراء خوفاً ورعباً من الدخول في مشاكل غير قانوينة وغير شرعية هم في غنى عنهاّ!!؟.

نسأل الله تعالى ان تستيجب القيادة السياسية والربانية وكل من عنده ذرة عقل وحكمة وخوف من الله لهذا الطرح المؤلم والمحزن الذي أصبح حديث كل اسرة ومؤسسة ومكان وشارع حفاظاً على امن واستقرار المجتمع وعملاً بشرع الله الذي تجسدت فيه كل معاني الرحمة.. مالم فإن دعوة مظلوم في جوف الليل ليس بينها وبين الله حجاب.

حول الموقع

سام برس