بقلم/ احمد الصراف
مرّت قبل أيام الذكرى الثلاثين لأبشع إبادة جماعية قبلية، عندما لقي ما يزيد على 800 ألف شخص في رواندا حتفهم في غضون 100 يوم فقط، وكان معظم الضحايا من قبيلة التوتسي، ومعظم القتلة من قبيلة الهوتو.
القبيلتان تنتميان إلى المجموعة العرقية نفسها، ومتشابهتان للغاية في اللغة والتقاليد والدين، لكن ذلك لم يجنبهما المصير الدموي المرعب. فالصراع على المصالح كان العامل الأكبر والأهم، فهل نتعظ ونتعلم من تجربتهم؟

كانت بداية المأساة عام 1916 مع وصول المستعمرين البلجيك لراوندا، فحاجتهم لأهل البلاد دفعتهم لتقريب الأفضل، بنظرهم، وهم التوتسي، ونسبتهم %15 من السكان، وأبعدت الهوتو ونسبتهم %84، من عدد السكان البالغ 32 مليونا، %98 منهم من المسيحيين.

لشبه استحالة التفريق بين أفراد القبيلتين، فقد أصدر المستعمر أمراً بتضمين بطاقة الهوية اسم القبيلة! رحّب التوتسي بذلك، فتمتعوا بوظائف عالية وفرص تعليم أفضل من الهوتو، وكوّنوا ثروات أكبر، واستمر تميزهم حتى ما قبل الاستقلال بقليل، فمع تراكم المشاكل وازدياد التذمر من حصول التوتسي على كل المزايا، انفجرت سلسلة أعمال الشغب في عام 1959، لقي فيها أكثر من 20 ألف توتسي حتفهم، وفرّ كثيرون لدول أخرى.

وعندما تخلّت بلجيكا عن السلطة، ونالت رواندا الاستقلال في 1962، انتقلت السلطة للهوتو، كونهم يشكلون الأغلبية العددية، لكن الأمور لم تهدأ بين الطرفين، وجاء إسقاط طائرة الرئيس هابياريمانا، في بداية أبريل 1994 ليمثل النقطة التي أفاضت الكأس، حيث بدأ أتباعه من الهوتو، من الجيش والمدنيين المسلحين، بحملة انتقامية، بدأت بقتل قادة المعارضة السياسية، وأغلبيتهم من التوتسي، وذبح السياسيين المعتدلين، من الطرفين، والشروع في القتل الجماعي للتوتسي أينما كانوا، فقتل الجار جيرانه، وقتل الهوتو زوجته التوتسية، تحت التهديد بقتله إن رفض ذلك. وكانت بطاقات الهوية، التي تحمل الانتماء القبلي، هي «رخصة القتل»، وغالبا ذبحا بالمناجل، وعلى نقاط التفتيش.

كان من الممكن جداً أن يكون إجمالي عدد ضحايا مجازر رواندا، وما وقع في الدول المجاورة لها، والذي بلغ الملايين، أقل من ذلك بكثير، لولا نظام الهوية، الذين تضمن اسم القبيلة، والمتوارث من العهد الاستعماري، الذي استمر العمل به حتى بعد الاستقلال، وكان السبب الأكبر في ضخامة عدد الضحايا، حيث كان من المستحيل من دونه معرفة حقيقة انتماء الشخص قبلياً!

ليس غريباً بالتالي أن أغلبية مواطني الدول المتقدمة، كبريطانيا، التي عشت فيها لفترة طويلة، لا يحملون بطاقة هوية، من أي نوع كان، بخلاف إجازة قيادة المركبة، مثلاً. ومن تشك الشرطة في هويته يتم حجزه إلى حين التعرّف عليه، أو إطلاق سراحه والطلب منه مراجعة أي مركز شرطة قريب لإثبات هويته. أما مراكز الاقتراع، والمصارف وجهات أخرى، فإنها تطلب نوعاً ما من إثبات الهوية كجواز السفر قبل تنفيذ الإجراء المطلوب.

قام الحرس الوطني، قبل قرابة 30 عاماً، عندما كان صاحب السمو الأمير نائباً لرئيس الحرس، بحظر وضع الاسم الأخير للعسكري على سترته، لكي لا يتم استغلال الانتماء الأسري أو القبلي أو الطائفي، في الحصول على خدمة، قد لا تكون مشروعة. واتبعت بقية الأجهزة الأمنية تالياً الإجراء نفسه!

هذا الإجراء الحكيم جاء ليبين أن الانتماء يجب أن يكون للدولة فقط، وليس لأي مكوّن آخر، فمتى تطبق بقية أجهزة الدولة هذا الإجراء البسيط والخطير في أهميته؟

نقلاً عن القبس

حول الموقع

سام برس