بقلم د./ حسين مجدوبي
يترتب عن سقوط طائرة ف 16 المغربية ومقتل ربانها ياسين البحثي في الحرب الدائرة في اليمن بين قوات علي عبد الله صالح والحوثيين، في مواجهة الأنظمة الملكية السنية «ائتلاف عاصفة الحزم» نقاش مهم وسط الفاعلين السياسيين، وأساسا الشباب حول انخراط المغرب في حرب يبدو نظريا أنها لا تعنيه طائفيا وجغرافيا وسياسيا.

ويشارك المغرب عسكريا في مهام الأمم المتحدة، مثل المهمة الأخيرة التي انخرط فيها في جمهورية أفريقيا الوسطى إلى جانب فرنسا. والحضور العسكري في الشرق الأوسط ليس بالجديد، بل يعود للماضي وحدث وفي صيغ مختلفة. فقد شارك المغاربة في حرب 1973 خاصة في الجولان، وكان الملك الحسن الثاني قد أرسل قوات عسكرية إلى السعودية سنة 1990 لدعمها، تحسبا لأي مغامرة للرئيس العراقي صدام حسين الذي كان قد دخل الكويت وقتها.

ويحضر نقاش المشاركة المغربية في «عاصفة الحزم» على مستويات متعددة، ويلاحظ حضوره وسط القوى السياسية التي لا تؤمن بالعمل من وسط مؤسسة البرلمان، وكذلك وسط الحقوقيين والاعلاميين. فقد التزمت القوى السياسية الكلاسيكية ومنها المعارضة، الصمت المطلق باعتبار أن القرار هو قرار ملكي يجب عدم مناقشته، بل التعامل معه بنوع من التقديس. واعتاد رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران الابتعاد عن المجال العسكري، ويعتبره من اختصاص الملك.

وتفاجأ المغاربة بانخراط بلدهم في هذه الحرب التي بدأت في نهاية مارس الماضي، ولا تزال مستمرة حتى الآن، من خلال مشاركة ست طائرات مقاتلة من نوع أف 16 في قصف الحوثيين وقوات عبدالله صالح.، وكان أول تساؤل عريض هو: هل هذه المشاركة احترمت مقتضيات الدستور المغربي؟

ذهب فريق من المحللين والعارفين بمضمون الدستور المغربي إلى التنصيص على أخذ الدولة المغربية ممثلة في المؤسسة الملكية، بعين الاعتبار، المقتضيات الدستورية. ويؤكد هذا الفريق على أن «عاصفة الحزم» هي إعلان حرب مهما كانت الذرائع التبريرية الموظفة في هذا الشأن، مثل إعادة الشرعية الرئاسية للبلاد، وبالتالي فإعلان الحرب يتطلب الحصول على مصادقة البرلمان المغربي.

وذهب فريق آخر، ولكن بدون أدلة شافية، إلى الدفاع عن الصلاحيات الدستورية للملك محمد السادس في الانخراط في العمل العسكري في الخارج. وفي ظل تضارب المواقف، تأتي حرب «عاصفة الحزم» أو حرب اليمن لتبرز الاختلاف في تأويل دستور 2011، الذي جاء بعد اندلاع الربيع العربي، ويفترض أنه واضح في بنوده. وسياسيا واستراتيجيا، يبقى التساؤل العريض وسط الرأي العام والمهتمين هو: هل المشاركة في «عاصفة الحزم» تخدم مصالح المغرب؟ تختلف الأجوبة والطروحات ارتباطا بالأسس السياسية والاقتصادية والدينية التي ينطلق منها كل طرف. طرف يؤيد قرار المشاركة وينخرط في طرح الدولة المغربية، ويستحضر أن أنظمة الخليج العربي هي السند الحقيقي للمغرب اقتصاديا، في ظل الأزمة المالية الدولية الحالية، والسند السياسي في دعمه في نزاع الصحراء.

وعمليا، يعتبر الخليج العربي الفضاء الوحيد الذي وإن كان المغرب لا ينتمي إليه تنظيميا، حيث يتم الأخذ بعين الاعتبار قلقه الاقتصادي والسياسي.
وتروج الدولة المغربية لضرورة انخراطها في معسكر تلتقي معه سياسيا على مستوى النظام، النظام الملكي والديني، المذهب السني، اكتسابا للقوة والحضور في الساحة الدولية حتى لا تبقى معزولة في ظل جمود المغرب العربي وعدم الوجود في الاتحاد الأفريقي وتذبذب العلاقات مع أوروبا. والواقع أن الديني لا يطغى على خطاب السلطة باستثناء تلميحات.
وافتقدت الدولة المغربية للذكاء السياسي، فقد كانت ستصبغ شرعية ولو سطحية على قرار المشاركة لو كانت قد عرضت الأمر على البرلمان ليبث فيه، علما بأن جميع الفرق البرلمانية تميل إلى موقف الدولة المغربية في هذا الشأن، بحكم وجود المعارضين للحرب خارج المؤسسات الرسمية.
وفي الجانب الآخر، يحضر فريق بآراء متعددة، وقد يكون المهيمن وسط الرأي العام بشهادة الخليجيين، عندما كتب القطري محمد صالح المسفر مقالا في جريدة عربية يستغرب فيه الجدل الدستوري والسياسي في المغرب بشأن مشاركته في «عاصفة الحزم». ويقول في مقاله « لماذا هذا الجفاء تجاهنا من منظمات المجتمع المدني والخبراء الدستوريين وقادة الأحزاب المغربية من طلب المملكة السعودية وحلفائها مناصرة الحكومة الشرعية اليمنية ومناصرة عاصفة الحزم؟

وأعربت حركات سياسية مثل العدل والإحسان وهي حركة إسلامية، واليسار الاشتراكي الموحد والجمعيات الحقوقية، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن رفضها القاطع لمشاركة المغرب، ونظمت هيئات مدنية تظاهرة أمام البرلمان المغربي رفضا لـ»عاصفة الحزم» وتأييدا للشعب اليمني.

وتنطلق هذه الهيئات من أسس سياسية وحقوقية. وعلاقة بالسياسي، ترفض قيام دول عاصفة الحزم التي تفتقد للديمقراطية بتبرير التدخل بالدفاع عن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وفي وقت تآمر بعضها على رئاسة محمد مرسي وأيد انقلاب السيسي. وتعتبر مشاركة المغرب تنازلا عن سيادته الخارجية والتحول إلى أداة من أدوات دول الخليج مقابل «حفنة من الدولارات». وحقوقيا، لا تحظى دول الخليج العربي بتعاطف كبير في المغرب، بسبب ما تعانيه الهجرة المغربية في هذه الدول، حيث لا يشفع تقاسم الدين واللغة في إنقاذ المغاربة من المعاملة اللإنسانية في بعض الحالات، وخرق الحقوق التي يتعرضون لها. في الوقت نفسه، انتعاش بعض الطروحات الأمازيغية التي تحمّل «عرب المشرق» الكثير من مشاكل المغرب.
ولا يمكن إخفاء عنصر آخر وهو الرؤية الاجتماعية للمغاربة اتجاه الخليجيين الوافدين على المغرب، يعتبرونهم باحثين عن الجنس والملذات. وهذه الرؤية تتجاوز الاجتماعي إلى السياسي.

ويبقى الإيجابي في هذا النقاش هو عدم انجرار المغاربة إلى النقاش الديني بين السنة والشيعة. فقد حاول بعض زعماء السلفية، بعضهم وليس الكل، الترويج للحرب الدينية الطائفية، لكن هذه الدعوات بقيت محدودة للغاية وبدون تأثير في المجتمع المغربي. فهذا الأخير ينظر إلى الشرق الأوسط، سواء العربية السعودية أو إيران من زاوية سياسية وليست دينية. فالمغاربة هم من أهل السنة، ولكن الكثير منهم لا يخفي تعاطفه مع إيران بسبب تقدمها العلمي ومقاومتها للغرب وليس على أساس مذهبها الشيعي. وفي المقابل، يتساءلون عن السر في فشل دول الخليج، ذات الغنى الفاحش، في المساهمة في تحقيق نهضة حضارية.

٭ كاتب مغربي

حول الموقع

سام برس