بقلم / عبدالله علي صبري
* حلّت ذكرى إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية في ظرف عصيب يتهدد أمن واستقرار البلاد، ويضع مستقبل وحدتها على كف عفريت المشروع السعودي الأمريكي ومخططه الرامي إلى تقسيم الدولة اليمنية إلى كانتونات صغيرة يسهل اختراقها من قبل التنظيمات الإرهابية، كما هو حادث اليوم في حضرموت، حيث تمكنت القاعدة هناك من السيطرة على مفاصل الدولة، بدعم سافر من قبل العدوان وأذياله من العملاء والمرتزقة في الداخل والخارج!

ورغم قناعتي أن الجبهة الداخلية تزداد صلابة يوماً بعد آخر بفضل إفراط العدوان في جرائمه بحق الشعب اليمني، وتقدم الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، إلا أن وحدة النفوس أهم بكثير من وحدة الجغرافيا.. كما أن مهمة الدفاع عن حياض الوطن لن تنجح بمعزل عن صيانة حياة وحرية وكرامة المواطن اليمني قبل أي شيء آخر.

على مستوى الشعور الوطني والنفسي يمكن القول أن اليمن كانت أكثر توحداً قبل 22 مايو 1990، فقد كانت مشاعر الانتماء والولاء لليمن فياضة لدى الجميع شمالاً وجنوباً. ومثلت العاطفة الوطنية الوقود الداعم والحاسم لإعلان الوحدة، كأهم المنجزات السياسية في تاريخ اليمن المعاصر.

لكن سرعان ما تراجعت المشاعر الوحدوية وتقلصت مع الأيام في ظل تداعيات حرب صيف 1994، وما أفضت إليه من تشكل للحراك الجنوبي، الذي بالغ في تطرفه حين لم يجد حلاً لأزمة الوحدة الوطنية إلا بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، والعودة إلى ما قبل 1990.

صحيح أنه لا إكراه في الدين ولا في السياسة أيضاً، وصحيح أن الوحدة التي تقوم بالفرض سرعان ما تقابل بالرفض، إلا أنه لا يجوز الانفصال كرهاً، وضمن عملية قسرية تقترفها النخبة السياسية دون مراعاة لمصالح أبناء الشعب الواحد في شرق وغرب البلاد.

وقد علمتنا التجارب التاريخية أن التشطير يدفع بمطلب الوحدة اليمنية إلى قمة هرم الأهداف السياسية للحركة الوطنية في عموم اليمن، ما يجعل التفكير في عوامل واستمرار الوحدة خيرا من العمل على الانفصال والتشطير مجدداً.

ورغم كل المستجدات ما نزال نقول أن حل القضية الجنوبية يتطلب تنازلات كبيرة ومؤلمة، لكنها ستكون ناجعة في حال صدقت النوايا وتجردت القوى السياسية من أنانيتها المفرطة في الاستئثار بالسلطة والثروة.. وحتى اجتراح الحل السياسي للقضية الجنوبية وللمشكلة اليمنية بشكل عام، لا بد من مراعاة الندوب والتصدعات النفسية البادية على جسد الوحدة، وما أفضت إليه من تباين سياسي حاد انتقل من النخبة إلى شريحة واسعة من أبناء الوطن الواحد.

ولمعالجة هذه الإفرازات ومن أجل ان تستمر وحدة 22 مايو السلمية، وحتى لا نجد أنفسنا محاصرين بخيارات عبثية تحركها الانتهازية السياسية والتعصب المقيت، ينبغي علينا جميعاً- ساسة ومثقفين وإعلاميين- أن نقبل وننفتح بصدق وبمسئولية على الرأي الآخر ، وتتضافر الجهود من أجل إرساء ثقافة التعايش السلمي، وإدارة الاختلافات والتباينات في ما بيننا بشكل حضاري، يضع حدا للصراعات السياسية الدامية ويفتح أمامنا والأجيال من بعدنا فرصة العيش على وطن حر ديمقراطي يكفل لمواطنيه الكرامة والرفاه!

نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس