بقلم / ناجي عبدالله الحرازي
تعلمنا كما تعلمت شعوب الأرض أن شرعية النظام السياسي – أي نظام - تعتبر من الدعائم الأساسية لتحقيق الاستقرار في أي بلد .
وتعلمنا أيضا أن الاستقرار السياسي يعد من الدلائل القوية على شرعية نظام الحكم، إلى جانب الاستقرار المالي والإداري والتنموي.
وقد اجتهد الفلاسفة والمنظرون عند حديثهم عن الشرعية السياسية.. البعض منهم ربطها بالوضع القانوني وآخرون انطلقوا من منظور ديني .

ومن بين أشهر تعريفات شرعية نظام الحكم السياسية ذلك الذي يرى أن السلطة الحاكمة تكتسب شرعيتها من خلال تبنيها لمنطق الإرادة الجماعيةالذي تستند اليه عند تبريرها لممارساتها المتعلقة بإدارة شؤون البلاد والعباد.
بمعنى أن النظام السياسي يكتسب شرعيته من خلال تقبل أفراد الشعب للحاكم أو الرئيس وخضوعهم له طواعية لأنه ملتزم بتحقيق مصالح الشعب وصيانة استقلال البلاد وحماية الحقوق الأساسية ....

وهكذا يمكننا القول إن الحكومات في العصر الذي نعيشه وخاصة حكومات الدول الديمقراطية أو الجمهورية تحديدا ، تكتسب شرعيتها أولا: من تمثيلها للشعب وقبول مواطنيها لها بما فيهم من لم يصوتوا أو يشاركوا في الانتخابات التي أوصلتها للسلطة ، وثانيا : من قدرتها على صيانة استقلال البلاد وتحقيق مصالح الشعب وتوفير أفضل سبل العيش له وحماية حقوقه الأساسية..

وعندما تفقد رئيس الدولة أو حكومته القدرة على تمثيل الشعب بكافة مكوناته ، ويعجزون عن القيام بالحد الأدنى من واجباتهم، وتصبح البلاد في أزمة .. أية أزمة حتى لو كانت متعلقة بانقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود وعدم كفاءة الخدمات الطبية والأمنية ، فإن شرعية هذا الرئيس وحكومته تتعرض للاهتزاز أولا ثم للشك من قبل أبناء الشعب أو بمعنى أدق من قبل مجموعة كبيرة ممن يفترض أن الرئيس وحكومته يمثلون مصالحهم ويتولون إدارة شؤونهم ..

وهذا كما يبدو هو واقع الحال في يمننا الغالي ، الذي يعاني هذه الأيام من مشكلة شرعية نظام الحكم فيه ، ومدى تقبل الشعب لرئيس وحكومة يرى البعض أنها فقدت شرعيتها ، بينما يرى آخرون أنها مازالت تتمتع بشيء من الشرعية ..
وهذه مشكلة جديدة لم تكن في حسبان اليمنيين الذين طالما حاصرتهم المشاكل والأزمات طوال العقود الماضية ، مشكلة دفعت باليمن وبأبنائه إلى أتون أزمة كان الجميع في غنى عنها ..
فالرئيس المستقيل تراجع عن استقالته وقرر اللجوء إلى الخارج لاستعادة شرعيته بعدما فشل في إقناع اليمنيين .. كل اليمنيين .. بأنه رئيسهم الذي يجب أن يمتثلوا لأسلوبه في إدارة شؤون البلاد والعباد ..
والأطراف الأخرى التي أرادت أن يكون لها رأي في إدارة شؤون البلاد والعباد ، مستندة إلى إرادة قطاع واسع من اليمنيين ، لم تتمكن من التوصل لاتفاق مع هذا الرئيس الذي دفعه عجزه للاستقالة ثم للجوء إلى الخارج ثانيا ، كما أنها لم تتمكن من استبداله أو إقناع العالم بأنها قادرة على أن تحل محله ..
وهكذا ضاعت الشرعية بين ساسة اليمن وقادته العسكريين الذين لم يتمكنوا حتى يومنا هذا ، من وضع حد لهذا الضياع ، وللوضع المحير الذي يعيشه أبناء اليمن والمجتمع الدولي ..

هذا المجتمع الدولي الذي فشل حتى اليوم في إقناع اليمنيين بحاجتهم الماسة إلى الاتفاق وصيانة مقدرات البلاد ومواردها البشرية والمادية ، بعد أشهر من الاقتتال الداخلي ، وقصف التحالف الظالم الذي نادى به الرئيس المتراجع عن استقالته ، وما يزال يعتقد أنه سيعيد له شرعيته وسيمكنه من حكم اليمن مجددا.
فهل سيتمكن التحالف من إعادة الشرعية لهادي ولحكومته وتمكينهم من العودة إلى بلادهم التي تخلوا عنها ؟
وهل ستتمكن القوى الأخرى المتواجدة في الداخل من انتزاع الشرعية وإقناع العالم بأنها تمثل اليمنيين .. كل اليمنيين ؟
وهل يتوقف هذا الاقتتال الداخلي ويستعيد أبناء اليمن حالة من الهدوء الذي افتقدوه ، ليتسنى لهم تضميد جراحهم وإعادة بناء ما دمره هذا النزاع العبثي ؟؟ وهل .. وهل .. وهل ؟
أسئلة عديدة مشروعة تفرض نفسها وتبحث عن إجابات .. ولكن هل من مجيب ؟؟
نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس