بقلم / عبدالكريم المدي
قد أصادف الصواب والواقع إذاما شبهت أحوالنا وأوضاعنا العربية عموما، واليمنية خصوصا بالعلة الدائمة والمستعصية، التي تخترقها كل الأحزان والآلام وتجعل الإنسان يذوق كل المرارات والانكسارات والخيبات المتواصلة وهو يقف أمامها راضيا ، مستسلما ، عاجزا ، حائرا ، خائرا ، منقطعا عن واقعه ومتصلا به ، جاهلا عنه وواعيا به ..

الجميع تقريبا - إلا من رحم ربي - يساهم بشكل أو بآخر، وبحسب موقعه وامكانياته في تثبيت الصورة النمطية المشوهة للعربي والمسلم لدى الغرب والشرق ولدى المجتمع الذي ينتمي له نفسه، الصورة التي تقول إنه مصدر للإرهاب والجهل وأكاديميات تقديس الديكتاتوريات والعصبيات وصناعة الفوضى والعنف ، فيما الحقيقة المحجوبة والظاهرة للجميع تقول إنه الضحية الأولى والجزء الأكثر تضررا من الإرهاب والعنف في العالم ، وبسبب سلبيتنا حتى في توظيف الحقائق والإعلام والتكنولوجيا ووسائل الإتصال الحديثة في إيصال رسالتنا وإزالة الغبار المتراكم فوق هذه الصورة لدى الغرب، فقد فشلنا فشلا ذريعا في الدفاع عن شرقنا العربي والإسلامي وفكرتنا وعقيدتنا وثقافتنا أمام الضمير الإنساني ولم نستطع حتى ابراز حقيقة وفكرة إن شعوبنا يتم غزوها من الغرب والشرق والشمال والجنوب بآلاف القتلة والذباحين تحت يافطة الجهاد وشعارات ومسميات عدة للقاعدة وما تفرخ عنها من تنظيمات متطرفة كالدولة الإسلامية وداعش بفروعه المختلفة وجبهة النصرة وبوكو حرام وغيرها .

هل تذكرون لي أي جهد ، أو خطاب أوضحنا، أو دفعنا من خلاله بهذه الحقيقة للعالم الذي ينظر لنا اليوم كشيطان رجيم يصدر العنف والإرهاب ، وكل الكوارث والمآسي للإنسانية ، ونحن في الواقع من يعاني من هذا الفكر والسياسة والأعمال الإجرامية، ونحن من يتلقى طوابير لا حصر لها من المتطرفين ، من الجنسين ، الذين يخترقون مجتمعاتنا ويحولونها لمسالخ بشرية وحقول ملغومة ، مثخنة ومتفجرة بالحقد والكراهية والخوف ، بعد أن تلقوا التدريبات والمهارات الكافية في أميركا واستراليا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا..

فتلك الدول تقوم باكتشاف وتأهيل هذا النوع المختلف من البشر، الذين يبدعون في معاهدها وجامعاتها وسجونها ومعسكراتها ويصيرون خبراء من الطراز العالي في البرمجيات والقتل ، ومن ثم يتم تفويجهم نحو الشرق العربي والإسلامي وتحديدا ( العراق - سوريا - ليبيا - اليمن - نيجيريا - مالي) وهلم جرا..

لكن كل هذا في حقيقة الأمر لا يعفي نخبنا وحكوماتنا ومفكرينا من المسؤولية، فنحن ، بكل صراحة ، نشارك في تكريس هذا الواقع المر واجتراح هذا الانحطاط المعيب في حياتنا ، ?ننا لم نحاول استشراف المستقبل والدخول في العصر ، بل عمدنا في العودة للعصبيات والمذاهب الدينية بصورة أكثر تخلفا وجنائزية وانحرافا ، لا يدفع إلا بإتجاه احياء المعيارية الطائفية والتاريخية لكل الأصوليات التي تفتك بالبشر والعقول والنفوس والآمال والأحلام.
لقد أبتعدنا كثيرا عن مصالحنا وعن الاعتراف بالحقائق ومصادر الشقاء الذي نصطلي فيه بشرف ورجولة ويقين يتيح لنا التعامل الجاد مع مشاكلنا الفكرية والإنسانية والثقافية بسمو وعقلانية ومحبة وإخلاص .

لهذا نجد دائما إنه ورغم إدراكنا الكامل لبؤسنا وقصورنا وجهلنا الذي يقودنا للغرق يوما عن يوم في وحل هذه الخلافات والصراعات التي تستند لعقليات سلفية، مأزومة ، جامدة فاشلة ، إلا أننا نصر علي السير في الطريق الخطأ، ورغم إدراكنا ، أيضا ، لخصوصية الإنسان ، أي إنسان كان، بأنها خصوصية متطورة في كل مجتمعات الدنيا شأنها شأن تطور وتغير المجتمعات البشرية وما يطرأ عليها من تحولات وتبدلات وتغيرات وتنامي أشكال الوعي والثقافات والانجازات المختلفة التي تتأثر- شاء الإنسان وقواه التقليدية ، أم أبى - بالمصالح ، إلا أننا لا نتحرك أبدا وفقا لهذه الوقائع والتحولات والاعتبارات والمتغيرات المهمة والمؤثرة في حركة الزمان ومقتضيات العصر والتحول، ولا نحاول تكريس هذه القيم والأسباب في الوعي العام كي تكتسب حضورها الايجابي وشرعيتها المجتمعية والإنسانية التي تضمن لنا تمهيد الأرضيات وتهيئة المناخات كي تستوي وتكتمل عملية البناء الجماعي للمداميك الجديدة.
إن خلاصنا من هذه المحن والعذابات التي تعيقنا يرتبط بوجود قيم كبرى تخرجنا من حوزات النقل والإتباع ودروب الموت الضيق إلى طريق الحياة الواسع..

وخلاصنا من هذا البؤس واليأس واللادولة يرتبط ، أيضا ، بانتصار العقل على الغريزة ، وهزيمة العنف على يد الحكمة ، وانكسار السيف أمام القلم ..
وسبحانه يهدي إلى نوره وسبيله من يشاء.

حول الموقع

سام برس