بقلم / ابراهيم المعلمي

في لحظات بهيجة تتخللها صيحات التكبير والترحيب، نحتفل في منزلنا مع سائر سكان الحي كل ثلاثة أو أربعة أيام بعودة التيار الكهربائي لفترة لا تتجاوز الساعة، ويفرح الصغار والكبار ويهرع الجميع لقضاء حوائجهم الالكترونية.

خلال هذه الدقائق المضيئة أحرص على متابعة القنوات الأخبارية لعلي أسمع خبر انفراج سياسي أو عسكري أو معلومة صادقة وأمينة تنقل حقيقة جرائم العدوان وتعرض مشاهد الدماء والدمار وصور المعاناة والحرمان جراء الحصار أو لربما استمع لصوت عاقل يدعو لوقف العدوان وحقن دماء اليمنيين والعودة لمسار الحوار وسبل السلام.

لكني كالعادة لا أشاهد سوى إعلام فاجر يمعن في الكذب والتضليل ويلوي الحقائق بفظاظة ويحرض على استمرار العدوان وقتل اليمنيين، بل إن كائناً مسخاً يرتدي عباءة الإسلام أطل على إحدى قنوات الفجور ليفتي بجواز إبادة الشعب اليمني فيقول: (امنعوا عنهم الطعام والغذاء والماء والحليب والدواء والوقود) .. ويؤكد (عذبوهم).

هكذا دعا ذلك الكائن المتوحش من على شاشة إحدى فضائيات الضلال والاجرام دون خجل أو حياء أو خشية من الله سبحانه وتعالى.

فأي دين يعتنق ذلك المسخ الذي يدعو لتعذيب البشر وحصارهم وخنقهم حتى الموت؟ لم نقرأ أو نسمع قط مثل هذه الدعوة الإجرامية على امتداد تاريخ البشرية، لا في المراحل البدائية ولا في عصور الكفر والجاهلية.

ويقيناً أن هذا الخطاب ليس زلة لسان أو هفوة من مدع ضال، بل عمل سياسي وإعلامي تحريضي ممنهج، ينم عن حقد أسود وكراهية بغضاء ضد الإنسانية، نشاهدها بوضوح في دماء وأشلاء أبناء اليمن ونسمعها في آهات المرضى وأنات الجرحى وصراخ الاطفال وعويل الأمهات الثكالى .. نراها في عيون المكلومين والمظلومين على امتداد الوطن اليمني.

إننا نواجه حرباً إعلامية شرسة لا تقل ضراوة وضرراً عن الحرب العسكرية، بتشويه الوقائع وقلب الحقائق وتضليل الرأي العام العربي والدولي وخلق الأكاذيب والافتراءات وتقديم الشعب اليمني كشعب معتد خطير يهدد أمن المنطقة ويسعى لاقتلاع شعوبها وابتلاع ثرواتها وتدمير دولها وسحق كياناتها وتدمير مقدساتها الدينية وغير ذلك من الخزعبلات والأباطيل والافتراءات لتبرير العدوان العسكري وتغطية جرائمه وفظائعه بحق اليمن واليمنيين.

ولأجل ذلك حشدوا الآلة الإعلامية بكل عدتها وعتادها وتم استئجار وشراء النفوس الخسيسة والذمم الرخيصة لتتولى تلك المهمة الدنيئة في ظل غياب وتغييب الإعلام اليمني والعربي الحر والمستقل بالترهيب والترغيب والحظر والإغلاق وبالاستهداف العسكري المباشر.

نعم .. نحن نواجه العدوان العسكري بقوة وصلابة .. وصحيح أن شعبنا اليمني اثبت قدرة فائقة على التحمل والصبر والثبات والتماسك والصمود في مواجهة القتل والترويع والحصار والتجويع .. لكن المقاومة والصمود الشعبي بحاجة إلى جبهة إعلامية موازية وعلى قدر كاف من الاحتراف والمهنية للدفاع عن الوطن وتحصين الجبهة الداخلية وحشد الهمم وتعزيز مبدأ الولاء الوطني وكشف الوقائع على الأرض وإبراز الحقائق الدامغة التي تفضح زيف وخداع الإعلام المعادي وادعاءاته الكاذبة.

نحن بحاجة إلى إعلام وطني قوي يرتقي بأدائه إلى مستوى حجم وخطورة المواجهة العسكرية والسياسية والإعلامية والاضطلاع بمهامه الكبيرة ومسؤولياته الجسيمة وأداء رسالته الوطنية بمهنية فائقة وحرفية عالية.

فالمواجهة ليست فقط عسكرية، بل وإعلامية ايضاً، ولا بد من تفعيل ما يتوفر لدينا من مؤسسات إعلامية وصحفية والنهوض بأدائها والاهتمام بكوادرها وتوفير الإمكانيات اللازمة لعملها، فالمجهود الحربي لا يقتصر فقط على جبهات القتال، بل يشمل ايضا الجبهة الإعلامية التي تدير المعارك السياسية وتقود الحروب الإعلامية وتضطلع بمهام الحشد والتعبئة والتوعية وتوحيد الرؤى والمواقف وتثبيت الهمم .. وهي العناصر الأساسية اللازمة للدفاع والمواجهة والمقاومة وتحقيق الانتصار.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس