بقلم / لينا أبو بكر
عزيزي المشاهد، سنحتاج إلى ركوة القهوة، التي وضعناها على النار في مقالة سابقة، إذهب واحضرها ستجدني هنا بانتظارك حتى نضبط مزاجنا على الساعة الرمضانية منذ الآن !

في هذه المقالة سأتحدث باسم الحرام، ما دام رمضان على الأبواب ولا يفصلنا عنه سوى بعض الإعلانات الفضائية عن مجموعة من «الكباريهات الدرامية»، التي سيتم افتتاحها على شرف هذا الشهر الفضيل، وكل ما نرجوه من السادة المشاهدين عدم التهور بإصدار فتاوى تشبيحية قبل صياح الديك، لأننا لا نملك من أمرنا شيئا سوى أن نحمد الله على نعمة غفران الذنوب في رمضان، والأجر محفوظ إنشاء الله، والتوبة المستجابة، وليس عليك عزيزي المشاهد سوى أن تكتفي بمتابعة المشاهد المحرمة مرة واحدة فقط ولا حاجة إلى اللجوء للإعادة، لأن النظرة الأولى لك والثانية عليك، وكلما دخلت غرفة حمراء بغير علم، ادخلها وأنت «متوض»، واخرج منها بتعويذتك الرمضانية: «اللهم إني صائم».. وبما أنه لم تزل أمامنا أيام معدودات، فبإمكاننا أن نحييها على طريقة طقوس الأعراس البريطانية، حيث يقوم العريس بقضاء ليلة عزوبية أخيرة قبل الدخلة، يرتكب خلالها ما طاب له من المحرمات ليودع الحرية (بنفس شبعانة وعين مليانة)، ولهذا تحديدا سأرفع هنا نخب الحرام، ثم أطلق ذقني على الطريقة الداعشية، وأدخل شهر الصوم، كما ولدتني عرافة الدورة البرامجية في التلفزيون الأردني: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم، وحتى أبرئ ذمتي من أي مسؤولية، فإنني أحذرك مشاهدي الكريم أن هذه المقالة تحوي مشاهد ساخنة فوق الركبة، وتحت الحزام، ولا تخص سوى أولئك الذين توقف نموهم عند أغنية جوليا بطرس: يا أيها الكبار، ثم أنني أخلي مسؤوليتي من أي تبعات قد تنجم عن تطفل المراهقين والزعران ولاعبات «الأحّي الوطني» في «بي بي سي»، و«دريم» و»القاهرة والناس»..أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسيد قشطة في فيلمه الأخير: الفراعين يأكلون الحمام المحشي !

مصيف إيروتيكي
أخشى على القضاء المصري في ظل إصداره أحكاما مجانية بالإعدام من نفاد أحبال المشانق، ثم أخشى على الداخلية من أزمة اختناق سكاني في السجون ما دام نصف الشعب يحل ضيفا «مشحوطا» عند الحكومة، ولكنني مطمئنة لوضع الفن المصري، طالما أن إلهام شاهين ويسرا ومحمد صبحي «بيصيفوا في برلين»، وهم يرتلون النشيد الوطني للرحلة: «دقوا الشماسي على البلاج دقوا الشماسي»، ولست أدري إن كانت غادة عبد الرزاق مختبئة في حقيبة دبلوماسية أم سقطت سهوا منها أم أنها بانتظار مصيف آخر، في الوقت ذاته الذي تواجه به زميلتهن في (السيسية) ريهام سعيد صيفية ساخنة، هي حرب شعواء على شرفها، شنها أحد رجال الدين في الأزهر، لمجرد أنها طلبت من شيوخه أن يتخصصوا بمجالهم ولا يتدخلوا في شؤون لا تعنيهم، مما دفعه لنعتها بالراقصة، وبعيدا عن التصنيف الفني للرقص، فقد كان يقصد إهانة شرفها، ضاربا بعرض الحائط كل المبادئ الدينية، التي راعت الحرمات وعدم قذف المحصنات، فتساوى بذلك مع سيد قشطة – صاحب قناة الفراعين- الذي ضرب على الوتر الحساس للشرف لما تهكم على براعة ريهام بطبخ الحمام المحشي، ولا أظن أن هنالك من لا يعرف المدلول الجنسي في الثقافة الشعبية في مصر لهذا الطبق الإيروتيكي، فأي عار على الشرف أن يتحدث هؤلاء عنه وهم ينتهكونه!

لوبي ذكوري
لم أحترم كثيرا من المواقف الإعلامية والأداء المهني لهذه المذيعة، خاصة عندما تفرط بمراعاة الإثارة التلفزيونية على حساب الوازع الإنساني، كما حدث عندما سألت طفلة عن تفاصيل اغتصاب أبيها لها، فخرجت عن السياق وتجاوزت كل الخطوط الحمراء، وما وراءها، غير مكترثة بمعايير الرحمة والحشمة والبراءة، ولكن (على بلاطة وبالفم المليان) حتما سأتعاطف مع ريهام سعيد في حرب القذف العشوائي، احتراما لرجولتي، التي تأبى أن تُذَل النساء بما يهز عرش السماء، فلا يُعامل الشرف كدرة إنما كعورة، يتم التلويح بها لتهديد كل من تحاول تبديل مكان إقامتها في عشة الفراخ أو أقفاص الدجاج، والثأر لكرامتها من أعراف الديكة وطرابيشها الحمراء فتخسر ما تخسره لتكسب شرف مواجهة اللوبي الذكوري في هذا الشرق المصاب بأعراض فحولة سفلية.

علماء الدين مسؤولون عن تفشي الدعارة
وعودة إلى من قذف المحصنة: بلسانه، فإنني وجدت له ما يعنيه، ليتدخل فيه، في برنامج «دنيانا»، الذي تبثه قناة «بي بي سي العربية»، وتقدمه ندى عبد الصمد، في حلقة خاصة عن ممارسة الدعارة من أجل العيش وكسب الرزق، حيث أدانت الضيفتان السورية مجد شربجي من جمعية النساء الآن في لبنان والمصرية هند حسين من جمعية أبناء الغد بناتي، غياب دور رجال الدين في هذا النوع من القضايا، بل وحملتا رجال الدين مسؤولية تفشي هذه الظاهرة في المجمتع، وممارسة القانون تعسفا مضاعفا حين يكتفي بتجريم المرأة، ولا يلاحق من يشتري ومن يبيع فيها، ولا من رادع للمجتمع الذي يسارع لاتهام المرأة بالفجور حين تطلب الطلاق بعد تعرض زوجها لمصير مجهول بين الحرب الأهلية في سوريا أو الإعتقال في سجون النظام، واستنكر البرنامج غياب فتوى شرعية تحل الإشتباك بين التضحية والخلاص، وتحد من ظلم المجتمع للنساء الذي يودي بهن في مسالك الهلاك، فعلى من تقرأ مزاميرك يا داود؟

أخطاء وراثية
شيخ الأزهر الذي تفرغ تماما للتشهير بريهام سعيد، ربما لن تعجبه الوظيفة التي اقترحتها ضيفتا «دنيانا»، ربما وجدها غير ذات أهمية، فالشرف عنده يبدو رخيصا ولا يستحق سوى التمريغ، ولكن ماذا عن تولي وظيفة منقرضة هي الذود عن المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين؟
أين هو الأقصى من جدول أعمالكم؟ أم أن ضياعه وانتهاك قدسيته قضاء وقدر؟ لماذا لا تدب النخوة في عروقكم وأنتم ترون الصلاة تصادر وتذبح وتحفر الأنفاق وتبنى الكنس تحت أساسه وتهدد بانهياره وتزوير تاريخه وتدنيس قدسيته؟ ما الحكم الشرعي في حق من يتغاضون عن إهانة كرامة المقدسات وبيوت الله؟
كيف تؤمن هؤلاء على شرف امرأة بينما لم يستطيعوا صون شرف السماء والأديان والأنبياء !

«هيدا حكي»
كعادته عادل كرم في برنامج «هيدا حكي»، الذي تبثه قناة «أم تي في»، يعرف كيف يطخ بالمليان دون أن يريق قطرة دم واحدة، وكعادته أيضا لا يقصر مع الغريب ولا القريب، وعندما يستضيف سياسيا أو فنانا، يسيس الفن ويتفنن بالسياسة، وقد استضاف الفنان اللبناني خالد الهبر، و توَّجَهُ رئيسا للبنان في آخر الحلقة، بعد أن قرأ بيانه الإنتخابي على شعب الإستديو، فأطاح بالرئيس، الذي لا يعرفه أحد ولا يعرف هو بعد من هو، فأراح اللبنانيين منه، وأراحه منهم، وهو ما يحسب لهذا المبدع العريق الذي يريق دم الرؤوس اليانعة دون أن يطخ طخة واحدة.. ولأنه كذلك وبعد كل ما كتبته في مقالتي هذه لا أملك سوى أن أستعير منه هذه الطخطخة :
« أبانا اللي في السما / إنت ع راسي إنما / عندي كلام / كيف اليهودي مضطهد وهو سارقلي البلد؟ / كيف العراق بينقتل ما قالوا حرية وعدل؟ / ليش الضمير بيحتضر عنا بضلوا مستتر؟ / ليش الفتك فينا حلال فكرلي في هيدا السؤال؟ /إنت إلهي إنما هذا حرام / وأخيرا ليس آخرا / ما يطلع حكيي نافرا / وتعتبرني كافرا / أبانا الذي في السما /هذا حرام هذا حرام»!
أما وقد صاح الديك فلم يتبق من ركوة القهوة سوى يعكر مزاج الأنخاب المحرمة، فصحتين وعافية!

٭ كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
نقلا عن القدس العربي

حول الموقع

سام برس