بقلم / أحمد عبداللاه
الحرب في اليمن هي عنوان لحروب متعددة جاءت بعد مخاضات سياسية متعثرة بين 2011 و 2015، لكنها أيضاً أتت من خلفيات لها جذور عميقة تتمثل في الغياب التاريخي للدولة الحقيقية، وما رافقه من نمو ونفوذ متعاظم لمراكز سياسية وقبلية ودينية، فما أن تمازج ذلك الواقع المعقد مع إفرازات الربيع العربي حتى تولدت أقطاب متنافرة ومشاريع سياسية متضادة ومتصادمة، على أنقاض مشروع التغيير الشامل الذي نادت به الجماهير الغاضبة في ثورة فبراير2011م

معضلة اليمن اليوم تتصدرها على السطح جدلية «الثنائية المتعاكسة».. الشرعية المنزوعة القوة، والقوة غير الشرعية، بمعنى أن الحكومة الشرعية (تساندها قوات التحالف) لا تمتلك قوة حقيقية منظمة على الارض، بينما تقف القوة المتمثلة بغالبية قطاعات الجيش اليمني والحرس الجمهوري والمليشيات المنظمة والقبلية، في الجانب المعادي للشرعية، وهذا هو الكابح الأكبر لأي تسويات حقيقية، فمهما كانت قوة أدبيات الحوار والاتفاقات فإنها تبقى مصفوفات على ورق، لأنه مع احتكار القوة تصبح أي عملية سياسية مهددة دوماً من قبل الطرف الأقوى، في بلد ظل وما يزال يعيش مرحلة ما قبل الدولة.

الحقيقة التي لا يريد أحد التعامل معها بشفافية، حتى الآن على الأقل، هي أن الحوثيين وصالح يمثلون القوة الكبرى على الارض، وهي «قوة شمالية خالصة»، ربما يسهل دحرها من مناطق الجنوب، لكن يصعب استئصالها شمالاً، لأن لديها جذور اجتماعية متينة وحاضنات شعبية كبيرة، كما أن الحوثيين قوة وليدة ما تزال في عنفوانها، ولها معتقد تحركه باطنية مذهبية ذات هالة قدسية رهيبة، لا يمكن أن يتوقف اندفاعها عند أي حدود معينة، لهذا فإن الجنوب يبتعد بشكل منطقي من حيث جوهره الاجتماعي والوجداني ومحتواه السياسي وقواه الفاعلة عن منظومات تلك القوى وقواعدها الشعبية. وفي هذا الاتجاه هناك مقاومة شعبية جنوبية تتمرس وتتوسع، انصهرت بداخلها أطياف من القوى الوطنية والإسلامية المعتدلة، يمثل «الحراك الجنوبي» قوامها الغالب ويتمتع بحاضنة اجتماعية وتأييد شعبي واسع. هناك إذن وضعان في الشمال والجنوب يتطوران بشكل مغاير ربما سيؤثران على مسارات الحرب وطرق الحسم والنتائج السياسية، وعلى الرغم من المواقف المرتبكة، إلا أن أحد لا يستطيع أن يجزم بوجود تخوفات سعودية وخليجية جادة من انفصال الجنوب أو فك ارتباطه، على الرغم من محاولة بعض «المحللين» ربط الفتور في دعم المقاومة الشعبية الجنوبية بشكل نوعي، وعدم تدخل القوات البرية في عدن في الأسابيع الاولى من الحرب، بالتخوف من تطور حالة المقاومة في المدن الجنوبية، إلى أن تصبح قوة مهيمنة على الارض وتفرض تدريجياً واقعا سياسيا جديدا.

ما تزال بالطبع بعض التعقيدات لا تسمح بوضوح الرؤية والمآلات، لكن الأمر المحسوم هو أن الحوثيين قوة كبيرة ستظل مدعومة عسكرياً وسياسياً من أطراف إقليمية وربما دولية، وتتمتع بقبول سياسي نسبي لدى الدوائر الغربية. كما أن تحالف صالح والحوثيين، حتى إن كان مرحلياً، يشكل كتلة تتقاطع بداخلها روابط مذهبية وقبلية وسياسية وعسكرية، وهي الظاهرة الأقوى تاريخياً، ووليدة عاصفة من الاحداث، تُعزِّز إبقاء اليمن خارج أي مشروع مدني حضاري وتكرس الغياب التاريخي للدولة الجامعة. ولهذا لن يكون الجنوب مجدداً في معادلة الوحدة سوى مصدر للروافد الاقتصادية ومساحات مطلة على حدود برية ومعابر بحرية حيوية يستثمرها تحالف القوة في الشمال حصريا مع حلفائه في الإقليم والعالم لخدمة أهدافهم الاستراتيجية في المنطقة.

لذلك يبدو لكثير من المتابعين للمشهد اليمني بأنه لم يبق أمام التحالف، خاصة المملكة السعودية سوى تقبّل أي تغيرات جيوسياسية كبيرة داخل الجغرافيا اليمنية كأمر واقع، وخدمةً لاستقرار المنطقة ولخلق توازن حقيقي يحقق تكافؤا بين الشمال والجنوب، وكبح أي طموحات إقليمية للتفرد بجنوب الجزيرة العربية، ناهيك عن أن القضية الجنوبية في هذه الحرب تكون قد تجاوزت حدود التوظيفات السياسية المؤقتة، ولم يعد الوضع يحتمل البقاء دونما حل يضمن تحقيق خيارات الشعب في الجنوب، وهو أمر اصبح واضحا لدى النخب السياسية الحاكمة في المنطقة وفي الداخل اليمني.
نقلا عن القدس العربي

٭ كاتب يمني

حول الموقع

سام برس