سام عبدالله الغُـباري
ستة أشهر مرت مذ نشر الإخوان المسلمون لافتة (أنا أصعد فقط)، رداً على شعار (أنا نازل) الذي تبناه عدد من طلاب جامعة صنعاء رفضاً لعسكرة الجامعة وتحويلها لثكنة عسكرية تابعة لفصيل متمرد ومنشق.
تذكرني هذه الجدلية المأساوية بحكاية المخلوق أولاً: البيضة أم الدجاجة!، في البدء كان الشباب أول من (نزل) إلى أمام جامعة صنعاء.. كان المكان قريباً من معسكر علي محسن الأحمر وملاصقاً للجامعة على أمل الاستقطاب الشبابي والطلابي الذي تكفلته عبارات رضوان مسعود- رئيس الاتحاد الطلابي- الحماسية، وتجاوز الأمر مبدأ الأخلاق الحقيقي فهجم طلابٌ كُـثر على أساتذتهم من باب الثورة، وخُـلع عُـمداء عديدون من الكليات تحت بند إسقاط الواجب الثوري واستكمال الأهداف الباطنة. فيما الشباب يزأرون مع كل انتصار واهم يحققونه.. حتى خلا كل شيء وبقوا هُـم وجنود علي محسن- وجهاً لوجه- .
لقد تخلى الطلاب عن مأثورة المنهجية في تعاملهم.. وانتصاراتهم،لم يستطيعوا ردع شبق الثورية المنفعل في نفوسهم.. وكانت أدوات الإعلام حافلة لهم ومعهم.. ترصدهم وتشعل جذوة الاستنكار في كل موقع وخبر، وحين خلا كل شيء.. ذهب العدو الافتراضي.. أفاقوا على صدمة قاسية: لقد ألغينا كل المعادلات لصالح طرف وحيد يقبض على كتلة سلاح متوهج ومعه حامية مليشيات حزبية وعسكرية وقبلية.
طبيعة الصراع اليوم أشبه ما تكون بساحة جدلية عقيمة.. يريدون من الناس الوقوف معهم لتصحيح أخطائهم السابقة! يبحثون عن تصحيح مسار كنا نصرخ لأجله قبل أن يذهب الانتهازيون لتوقيع مبادرة الخليج ودثر روح التغيير السوي.. ولذا لا يجب أن ينتظر (النازلين) من الرأي العام تأكيد هويتهم وحقهم في جامعة بلا جند ولا عسكر.. فالمنطقة كلها محاصرة وخارجة عن نطاق السيطرة الحكومية، وبأيديكم أنتم وبتصريحاتكم أيها (النازلون) تم إخراج جغرافيا الساحة عن نطاق الدولة. وليس عن شكل النظام الذي خرجتم لإيقافه.
اليوم فقط تكتشفون أن (حاميها حراميها)، وكانت كل نصيحة لكم بالتأني والفهم تلقى الغضب العارم والسخرية المقذعة.. فضربتم أساتذتكم، آذيتم جيرانكم، صمتم عن العار الذي استهدفكم.. وفقدتم التعاطف ومعنى التأييد.. والآن تريدون استعادة المعنى وقد سُـلب منكم بخدعة لم تعقلوها وقد كانت ماثلة لو أنكم حكمتم عقولكم فقط.
يقول الإخوانيون إن أنصار الله هم قادة الفعل الثوري هنا ويهاجمون رفاق العام والخيام بكل ضراوة.. (نزل) جُـند علي محسن و(نزلتم) فكانت الغلبة لمن يحمل العصي ويرتدي بزة الجيش، ومعه أيضاً (نزل) اللصوص السابقون لجوهركم وعقولكم في محاولة أخرى لتأييدكم وركوب (الموجة) التي حذر منها الرئيس السابق دون أن تجد صدى.. فما كان في السابق سيأتي اليوم وربما بعنف أكثر.
لماذا مثلاً لا (ينزل) الذين (نزلوا) بضخامة يوم الجمعة الماضي لتأييد قرارات الرئيس بهيكلة الجيش معكم ويشدون من عضدكم ويلبون نداءكم.. لأنهم بكل بساطة من فصيل مُـؤدلج لا يعترف إلا بما اعترف به (المرشد)، وحين طغوا عليكم وسلبوا إرادتكم وقراركم وأفعالكم ومسيراتكم كنتم الصورة الباهتة لهم، وصار وجودكم يومها لإضفاء ميزة التعدد على مطالب الثورة فقط وعدم احتكارها على فصيل معين.
كنتم تعرفون ذلك، ورغم أنف العقل استمرأتم التثوير.. والآن تدفعون ثمن هذا العناد وتلك الأيام المجحفة.. وستظل الحسرة التي تبكيني هي انحسار المطالب ووقوفها على أطلال (النزول) بلا واقعية.. وكيف يمكن رفع القائد والحامي ولم يعد هناك أحدٌ ينافسه أو يضرب العصا على رأسه إن انتهك حقوقكم وضربكم كما فعل يوم 22 – 12- 2012م .
أعزائي: حين تتمكنون من الإجابة على جدلية النزول والصعود بعد كل هذه الأشهر التي رفعتم فيها شعاركم الأثير، ستعرفون أن الإخوان المسلمين (صعدوا) على أكتافكم وعلى دماء الشهداء. وأن (النزول) الناجح يحتاج تكرار الأدوات السابقة، وقبل ذلك فإنه بحاجة إلى إلغاء ذاكرة الناس التي لم تعد تأبه بكم وبصراخكم.. حتى الرئيس هادي لن يستطيع فعل شيء مالم تكن معه أدوات (علي محسن) والجزيرة وقطر.. فهل يمكن أن يتخلى القطريون عن (محسن) ويتشبثون بـ(هادي)؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يترافق مع إجابة دامعة لجدلية النزول والصعود.
وإلى لقاء يتجدد..

حول الموقع

سام برس